تقييد دور المجتمع المدني في مشروع قانون المسطرة الجنائية: قراءة نقدية في المادتين 3 و7

تقييد دور المجتمع المدني في مشروع قانون المسطرة الجنائية: قراءة نقدية في المادتين 3 و7
مقالات رأي / الخميس 26 يونيو 2025 - 00:45 / لا توجد تعليقات:

بقلم: سمير بوزيد

تخيل لو أن صوتك، كمواطن، قد يختفي تمامًا عندما يتعلق الأمر بمحاربة الفساد الذي ينخر جسد وطنك. هل يعقل أن تصبح الشفافية مجرد شعار، بينما تقيد القوانين الجديدة أيادٍ كانت تدافع بشراسة عن المال العام؟ منذ تأسيس الهيئة الوطنية لحماية المال العام في عام 2006، وأنا أقف شاهدًا على معركة لا تتوقف ضد الفساد، معركة ليست مجرد أرقام وملفات، بل هي صراع من أجل كرامة كل مواطن وحقه الأصيل في وطن عادل وشفاف. دستور 2011 كان نبراسًا أضاء طريق المشاركة الشعبية، فهل نحن اليوم على أعتاب قانون قد يطفئ هذا النور؟

اليوم، هناك مشروع قانون جديد للمسطرة الجنائية قيد النقاش في البرلمان، يحمل تغييرات مهمة في طريقة سير العدالة. من بين هذه التغييرات، تبرز المادتان 3 و7، اللتان تثيران قلقًا كبيرًا لدى الكثيرين. هاتان المادتان تحددان جهات معينة فقط يمكنها تحريك القضايا المتعلقة بالفساد، مثل المجلس الأعلى للحسابات والمفتشيات العامة، وهذا يعني أن الجمعيات والناس العاديين لن يكون لهم دور مباشر في متابعة هذه القضايا المهمة.

هذا التقييد يحد من مشاركة المجتمع المدني، وهو ضد روح دستور 2011 الذي يضمن حق الناس في المشاركة الفعالة في مراقبة الشأن العام. كما أنه قد يجعل من الصعب محاسبة الفاسدين ويزيد من شعور الناس بالإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات، وهو ما يضر بسمعة العدالة ويضعف المجتمع برمته.

في هذا السياق، اتفقت 32 جمعية حقوقية ومدنية على رفض هاتين المادتين، وأعلنوا عن احتجاجاتهم وقدموا مذكرات للبرلمان ولجهات دولية، لأنهم يرون أن هذا التقييد يضعف الرقابة الشعبية على الفساد ويحد من قدرة المجتمع المدني على أداء دوره الأساسي. هذه الجمعيات ليست وحدها في هذا الموقف، بل هناك دعم واسع من فاعلين حقوقيين وقانونيين يؤكدون أن المشاركة الشعبية هي حجر الزاوية في مكافحة الفساد. 

مكافحة الفساد مسؤولية الجميع، وتقييد حق تحريك القضايا يضعف هذه المسؤولية المشتركة. المغرب وقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تؤكد في مادتها 13 على أهمية تمكين المجتمع المدني وتعزيز الشفافية والمساءلة في مكافحة الفساد. لكن للأسف، لا يوجد قانون واضح يوضح كيف يمكن للمواطنين أن يدافعوا عن حقوقهم إذا كانت هناك قوانين أو إجراءات تخالف الدستور، وهذا يزيد من المخاوف ويضعف الثقة في النظام القضائي. 

بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الرسالة المفتوحة الدولية لتعزيز آلية مراجعة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) تضمنت توصيات واضحة تتصل مباشرة بموضوعنا. فقد أكدت الرسالة على ضرورة تمكين منظمات المجتمع المدني من المشاركة الفعالة في مراقبة تنفيذ الاتفاقية، لما لهم من دور حيوي في تعزيز الشفافية والمساءلة. كما دعت إلى إصلاح آلية المراجعة لتكون أكثر شمولية وشفافية، تتيح مشاركة أوسع للمجتمع المدني، وتضمن استقلالية وحيادية هذه الآلية بعيدًا عن أي ضغوط سياسية أو إدارية. وبهذا المعنى،فإن تقييد دور المجتمع المدني في تحريك الدعوى العمومية كما هو وارد في المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية يتعارض مع هذه التوصيات الدولية، مما يعرض المغرب لمخاطر تقويض جهود مكافحة الفساد وضرب مبادئ الديمقراطية التشاركية التي نص عليها دستور 2011.

على المستوى الدولي، شاركت في توقيع رسالة مفتوحة وقعها 371 منظمة من 109 دول، تطالب بإصلاح آلية متابعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لتكون أكثر شفافية وفعالية، وتسمح بمشاركة أوسع للمجتمع المدني. هذه الرسالة تؤكد أن الوقت قد حان لإصلاحات جذرية في طريقة مراقبة تنفيذ الاتفاقية، بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.

أنا أؤمن أن الوقت قد حان للمطالبة بإصلاحات حقيقية تعزز دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد، وتضمن شفافية الإجراءات، وتحمي حقوق الجميع في الوصول إلى العدالة. لا يمكن أن نترك مكافحة الفساد حكرًا على جهات محددة فقط، بل يجب أن تكون مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطنين.

بعض الناس يرون أن هذه المادتين ضرورية لتنظيم تحريك القضايا ومنع استغلالها لأغراض غير قانونية، وهذا مهم جدًا، لكن لا يجب أن يكون التنظيم على حساب حق الناس في المشاركة والشفافية. الديمقراطية التشاركية ليست شعارًا فقط، بل هي ممارسة يومية تتطلب تمكين المجتمع المدني من الرقابة بحرية وفعالية.

لذلك، أدعو إلى:

- مراجعة المادتين 3 و7 لضمان أن تكون عادلة وتحمي حق المجتمع المدني في تحريك القضايا، بما يتوافق مع الدستور المغربي والالتزامات الدولية. 

- إصدار قانون ينظم كيفية الطعن في دستورية القوانين، ليكون هناك حماية حقيقية لحقوق المواطنين، خاصة في ظل غياب قانون تنظيمي فعال لآلية الدفع بعدم دستورية القوانين. 

- دعم استقلالية القضاء وضمان محاكمات عادلة وواضحة، مع تعزيز الشفافية في نشر قرارات المحاكم. 

- حماية الفئات الضعيفة مثل النساء والفتيات من أي ظلم أو تمييز، عبر تشريعات واضحة وفعالة.

مكافحة الفساد هي مسؤولية وطنية تحتاج إلى تعاون الجميع، وإصلاحات حقيقية تضمن مشاركة فعالة لكل المواطنين. مشروع قانون المسطرة الجنائية فرصة لتطوير العدالة، ولكن لا يجب أن يكون على حساب مشاركة الناس وشفافية العمل القضائي

 هل يكمم القانون أفواه المواطنين في معركة الفساد؟ 

الإجابة بكل وضوح هي: لا يجب أن يكون الأمر كذلك، ولا ينبغي أن نسمح له أن يحدث. 

المادتان 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، كما هما مطروحان اليوم، تمثلان محاولة لتقييد صوت المجتمع المدني وحرمان المواطنين من حقهم الطبيعي في المشاركة الفعالة في محاربة الفساد. هذا التقييد ليس فقط انتهاكًا لروح دستور 2011 الذي يؤكد على الديمقراطية التشاركية وحق المواطنين في الرقابة، بل هو أيضًا خطوة إلى الوراء في مسيرة بناء دولة القانون والعدالة.

مكافحة الفساد ليست قضية نخبوية أو حكومية فقط، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب مشاركة كل مواطن ومؤسسة مدنية. إن إغلاق الأبواب أمام المجتمع المدني يعني إضعاف آليات المساءلة والشفافية، مما يفتح المجال أمام الإفلات من العقاب ويعزز ثقافة الصمت واللامبالاة.

لذلك، يجب أن نرفض أي قانون يحاول كتم أصواتنا، وأن نطالب بمراجعة المادتين 3 و7، بما يضمن مشاركة فعالة للمجتمع المدني، ويحمي حقوق المواطنين في تحريك الدعوى العمومية. علينا أن نعمل معًا من أجل قانون يعزز استقلالية القضاء، ويضمن محاكمات عادلة وشفافة، ويجعل من مكافحة الفساد معركة وطنية يشارك فيها الجميع. 

في النهاية، صوت المواطن هو أقوى سلاح في مواجهة الفساد، ولن نسمح لأي قانون أن يكممه أو يضعفه. فلنكن جميعًا حراسًا لهذا الصوت، من أجل مغرب أكثر عدالة وشفافية، يليق بتطلعات شعبه وأجياله القادمة. 

 قائمة المصادر والمراجع

- دستور المملكة المغربية (2011)، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 بتاريخ 29 يوليوز 2011، المواد 8، 12، 149، الرباط، المغرب. 

- مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، وزارة العدل، المغرب، 2025. 

- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، الأمم المتحدة، 2003، صادق عليها المغرب في 2007. 

- القانون التنظيمي رقم 41.14 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الجريدة الرسمية، المغرب، 2015. 

- بيان 32 جمعية حقوقية ومدنية حول المادتين 3 و7 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، الرباط، 2025. 

- بلاغ مركز عدالة لحقوق الإنسان (CJDH) حول توقيع الرسالة المفتوحة الدولية لتعزيز آلية مراجعة اتفاقية UNCAC، فيينا، النمسا، يونيو 2025.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك