أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
حين يختلط
دخان الحوادث برائحة السياسة، ويُعاد نبش حادثة سير وقعت منذ سنوات، فقط لأنها تهم
وزير العدل "عبد اللطيف وهبي"، يتأكد لنا أننا في وطنٍ أصبح فيه المسخ
السياسي أداةً لتصفية الحسابات وليس للمساءلة الجادة، فالواقعة تعود لسنة 2021،
حادثة عادية مثل آلاف الحوادث التي تقع يومياً، لكن "الصدفة" شاءت أن
تُبعث من رمادها عشية عيد الأضحى 2025م/1446هـ، وكأن اختيار التوقيت يراد به إيقاظ
النوازع الأخلاقية والدينية لضرب الرجل في عمق سمعته.
"أنا
كنتافق معاه وفي نفس الوقت أختلف معه"...لكن..
في بلاد أعيش
فيها مثل إيطاليا، "جورجيا ميلوني" قد تشرب ما يحلو لها ما لذ وطاب من
الخمر...، وفي فرنسا، "إيمانويل ماكرون" قد يحتسي نبيذه دون أن تهتز
كراسي المسؤولية، لأن الشعوب هناك تفصل بوضوح بين الخاص والعام، ولا تتذخل في
الأمور الشخصية، أما عندنا، فمجرد "قنينة نبيذ" قد تُستعمل كقنبلة
سياسية في معركة اغتيال رمزية، والمنتقذ يشرب الخمر وينتقذ "فهم تسطى".
من يستفيد من هذا الخلط الممنهج بين الحياة الشخصية للوزراء
وأدائهم العام؟
ومن يدير
اللعبة القذرة التي تحترف تبخيس الأشخاص وكل ما هو سياسي؟
أليست هذه
الخطابات الناقمة هي ذاتها التي تشكو من فراغ سياسي حين ينسحب السياسيون من
الساحة، أو يُدفعون دفعاً نحو التهلكة الإعلامية؟ .
نعيش
"مصيبة كحلة" إبحثوا عن من وراء الستار ومن يديرون اللعبة.
إن أخطر ما يمكن أن نواجهه اليوم، ليس فقط اختلاق التهم أو بعث
الصور القديمة، بل هذا التآكل الخطير في الشحم المدني والنقابي والحقوقي، حيث لا
أحد يرفع صوته ضد المسخ الممنهج، وكأن الكل متواطئ بصمته...
"عبداللطيف وهبي"، الذي يُقال إنه "سكايري"،
لا يهمّنا إن كان يشرب أم لا "شغله الشاغل حياتو ما غدي نتدفن معاه في
قبرو"، بل ما يهمّنا إن كان يُدير قطاع العدالة بكفاءة، ويُحارب الفساد،
ويُعيد الثقة للمغاربة في منظومة طالها الخراب، والرشوة والاحكام
الجاهزة"الفديوهات وشرائط نشرت على صفحات تخجلنا"، أما حياته الشخصية
فليحتفظ بها لنفسه، ولن يُحاسب عنها إلا أمام ربه، لا أمام شعب يتفنن البعض في
تسميم وعيه.
المدهش أن هذه الصور وُثقت واحتُفظ بها، ثم أُخرجت فجأة وكأنها
قنابل موقوتة، أعدّت بإحكام في أرشيفات الظل، تختازالزمان والمكان والتوقيت بدقة.
من هم هؤلاء
الذين يُجيدون التوقيت؟
من هؤلاء
الذين لا ينامون حتى يُفخخوا ذاكرة الجماهير بما ينزع عن السياسيين إنسانيتهم؟
الأسئلة مشروعة، لكن الأجوبة مخيفة، لأنها تقودنا إلى حقيقة
واحدة، أن هناك من يريد لهذا البلد أن يُصاب بالحساسية من كل رجل سياسة، أن يتم
تقزيم كل زعيم، وتشويه كل شخصية عامة، حتى لا تبقى لنا رموز، ولا يبقى لنا أمل في
التغيير من داخل المؤسسات، ونعيش الإحباط النفسي، وبعدها نبدأ في أكل بعضنا البعض
ونكسر السلم والسلام ونذخل في كل ما هو غير غير مرغوب فيه.
فهل نحن أمام "فخ إعلامي" صنعه الوزير "عبداللطيف
وهبي" نفسه ليُظهر أنه مستهدف؟
أم نحن أمام
أيادٍ ماهرة في اصطياد اللحظات الرمزية والدينية لتوجيه الرأي العام؟
في السياسة،
كل السيناريوهات ممكنة، وكل الاحتمالات واردة، لأن شياطين السياسة أبناء عمومة
شياطين الصحافة، البعض يعزف أحياناً على أوتار الابتزاز وتصفية الحساب، اللهم لا
تجعلنا منهم في الدنيا ولا الأخرة، ما يُثير القلق، ليس فقط إعادة نشر الصورة، بل
الاستعداد الجماهيري للانقضاض على أي فريسة، وكأن الشعب نفسه أصبح مدرباً على جلد
الذات، بدل أن يُطالب بالأجندة الإصلاحية والنتائج الميدانية.
نحن اليوم
بحاجة إلى تصحيح المفاهيم، لا قداسة لأحد، لكن أيضاً لا اغتيال معنوي لأحد دون
دليل، يمكننا أن نحاسب "عبداللطيف وهبي" على الملفات العالقة، على تأخر
الإصلاح، على ضعف التواصل، لكن لا يحق لنا أن نحوله إلى "كاريكاتور"
أخلاقي فقط لأنه "يُشرب الخمر أو لا يشرب" ، حقنا أداء المهمة وكفى "شبر وربعات
صباع بوحدو".
إن تسفيه السياسة يُفقدها معناها، ومسخ الوجوه يُدخلنا في نفق
العدمية ونعيق الغربان، حين لا نثق في أحد، ولا نحترم أحداً، ولا نُميز بين الناجح
والفاشل، وبين التافه والمسؤول، وهو ما يُضعف الجبهة الداخلية ويُفرغ الوطن من كل
كفاءة راغبة في العمل داخل المؤسسات.
من المستفيد
من هذا الانهيار القيمي؟
ومن الذي يغذي
هذا الخطاب العبثي والكراهية؟
من الذي يريد
إسقاط كل السياسيين حتى يخلو له الجو للنهب أو لخلق فراغ يُمهّد لسلطات موازية؟
إن ما يجري
ليس بريئاً، ولا معزولاً.
"كاين شي
بلان "
إنها حرب
رمزية تُشن بوسائل حقيرة، وعلى مسؤوليتي كغيري الدفاع عن الوطن.
وإن لم ننتبه
اليوم، فسيدفع الوطن غداً الثمن، لا رجال سياسة، لا رموز عامة، لا مشاريع إصلاحية،
بل فقط صراخ جماهيري ضد أوهام مصنوعة، ومشاهد مبتورة تُبث على المقاس.
من يقطعها ومن
يفصلها؟
وهنا، علينا
أن نُفكر بعمق، إذا كان البعض يظن أن تصفية السياسيين ستُريح البلد، فإنه واهم، لأن
الفراغ لا يُملأ إلا بالأسوأ، وإن استمررنا في الخلط بين الخاص والعام، فإننا نحفر
قبراً للديمقراطية بأيدينا، فلا تجعلوا من "قنينة خمر" كانت
أو لم تكن قضية وطنية، واجعلوا من الفساد، من الرشوة، من القمع، من التهريب، من
المحسوبية والزبونية والنهب، ملفات حقيقية للمحاسبة، أما غير ذلك، فمجرد فقاعات
إعلامية، سرعان ما تنفجر في وجه من صنعها.
"لي دار
الذنب يتساهل لعقوبة"
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك