طعارج الانتخابات..عندما تتحول الديمقراطية إلى سوق نخاسة

طعارج الانتخابات..عندما تتحول الديمقراطية إلى سوق نخاسة
... رأي / الأربعاء 30 أبريل 2025 - 09:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا

لا أعرف صراحة، هل أضحك أم أبكي، هل أفرح أم أحزن، كل ما أستطيع قوله هو أنني وصلت إلى حالة من الضياع العقلي والفكري لدرجة تجعلني أردد المثل المغربي الشهير: "داخت ليا القردة"، وحينما تشتد الحيرة ولا نعرف ما العمل لا يبقى أمامنا سوى نصيحة بسيطة من عمق الذاكرة الشعبية: "لي داخ يشد الأرض" .

الذي يُبكي فعلاً هو أنه جرى ترويض فئة كبيرة وعريضة على الرشوة الانتخابية، مع الأسف منها: صحافيون لا سامحهم الله في الدنيا والأخرة، مثقفون، وأساتذة/ات، وأطباء وأطر وجمعيات حقوقية ومدنية مشاركة في هذه الكارثة.

اليوم لم يعد المواطن يناقش البرامج الإنتخابي، ولا المرشحين، ولا الكفاءة، بل صار ينتظر الزبون الذي سيشتري صوته "هاك ورا ما فيها حزارة"، لا يهم إن كان يمثل حزب البغل أو الدجاجة أو القردة أو حتى الكلاب، أعزكم الله، المهم الثمن ومن سيدفع أكثر.

لقد تحولت الانتخابات إلى بورصة علنية، المترشح فيها لا يسأل عن حاجيات المواطنين بل يعرض أثماناً، والمواطن لا يطالب بحقوقه بل يساوم على صوته، وهنا نصل إلى لب المشكلة، وهي أن المواطن لم يعد يثق في أحد بعدما جرّب الجميع، وكلهم عملة واحدة، نتيجتها نصب ونهب وشعارات جوفاء.

عندما ينفجر ملف من ملفات الفساد، لا يُحاسب المجرم، بل يخرج "كيف الشعرة من العجين"، وأصبحت صورة نمطية مترسبة في عقل المواطن، وأصبح الغالبية تنطلق من واقع مر، "ندي عمود لا بغات تريب غا تريب".

وهكذا صار المغاربة يتبنون قولاً شعبياً مريراً "قرصة من ظهر الفكرون وما يمشيش بلاش"، ومع ذلك في هذا البلد، الكل يمشي "بلاش" .

خذ مثلاً ملف الـ1300 مليار سنتيم، لأستيراد الغنم..، رقم فلكي، وعوض تشكيل لجنة تقصي الحقائق، يُفضل البعض لجنة استطلاع، وكأن الأمر نزهة، والفرق كبير جداً بين الاستقصاء والاستطلاع.

الاستقصاء يعني مساءلة ومحاسبة وقد تتدخل فيه النيابة العامة والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للحسابات، وتُتخذ فيه قرارات مصيرية في حق هؤلاء المشتبه فيهم، أما الاستطلاع، فهو أشبه بسياحة سياسية، مجرد زيارة بلا أثر، كما يقول المثل الساخر: "راجل ومراتو مشاو تسارو وشافو"، إستطلعو وإنتهى.

لهذا يدافع البعض بشراسة عن حقهم في إهدار المال العام، لأنهم يعلمون أن لا أحد سيحاسبهم، تفكك السلطات القضائية لا يمكن فهمه خارج هذا الإطار: النيابة العامة مستقلة، القضاء مستقل، الأمن كذلك، لكن لا أحد يُفعل هذه الاستقلالية لقطع دابر الفساد، عاد المواطن يرى العجب، نحاكم الشباب على "جوان،  سبسي، يطرو روج، راطو، بالة تبن..."، ونتسامح مع من نهب الملايير.

فأي عدالة هذه؟

وأين نحن ذاهبون؟

الخلاصة المرة أن عددا من الوجوه السياسية التي اختفت عن الأنظار لما يقارب الأربع سنوات، عادت فجأة للظهور عبر منصات التواصل الاجتماعي، ليس من باب التفاعل مع نبض الشارع أو مواكبة انشغالات المواطنين، بل من أجل فتح "كراجات انتخابية" هدفها الوحيد هو التجارة بالأصوات واستغلال المواسم السياسية لتصفية الحسابات أو قطف الغنائم. لم يعد هناك أثر لتلك المقرات المفتوحة التي كانت تؤثث الحياة السياسية اليومية، ولم يعد للسياسي ذلك البريق الذي كان يحظى به حين كان يتكلم باسم الناس، ويدافع عنهم بالفعل لا بالخطابات.

اليوم، السياسي الذي يخرج فقط مع اقتراب الاستحقاقات، صار أشبه بتاجر مناسباتي، يظهر حين تحين لحظة البيع والشراء، ويختفي بعد اقتسام الكعكة. لا نعمم بطبيعة الحال، فبعض الأوفياء لم يخونوا العهد بعد، لكن الواقع السائد يرسم صورة قاتمة لطبقة سياسية هجرت الناس، وتفرغت لتدوير المصالح.

فقدان الثقة في السياسي أصبح واقعاً لا يمكن إنكاره، الصوت الانتخابي اليوم يُعرض في المزاد، وهناك من يأخذ من الجميع ولا يصوت لأحد في النهاية، أما نسب المشاركة ففضيحة وحدها، لا أحد يشكك في نزاهة وزارة الداخلية من حيث الإعلان والأرقام..، ولكن الواقع يقول شيئاً آخر تماماً، ما أثار انتباهي في الآونة الأخيرة هو عودة عدد من السياسيين إلى الواجهة الرقمية.

يعتمدون على الإشهارات الممولة، وعلى جمعيات "المرايقية"، رغم غيابهم منذ إعلان نتائج الإنتخابات الفارطة، وهم معروفون لدى الناس، يتنقلون من لقاء لآخر ويلتصقون بممثلي السلطة "بحال لكراد"، هذا المشهد المقرف لم أره قط في إيطاليا، حيث المواطن هنا يناقش البرامج وينتخب بناءً على اقتناع، ويحاسب عبر الصندوق.

لا وجود هناك لـ"تخلويض" أو تعديل كفّات سياسية، وتغليب واحدة على أخرى.

نحن نحتاج إلى تعليم حقيقي، إلى وعي سياسي نابع من المدرسة لا من الشارع، نحتاج إلى إنهاء الفوضى في التعليم الخصوصي، وإلى قطاع صحي عمومي يحفظ كرامة المواطن، نحن فعلاً نمتلك طاقات بشرية جبارة، فقط تحتاج من يحررها من مستنقع "الطعارجية" السيساويون.

نعم، نحن أذكى شعب في العالم حين يتعلق الأمر بـ"تحراميات، قوالب، الكذوب، النفاق..."، لكننا أيضاً من أكثر الشعوب التي تُنتج العلماء والمفكرين، فقط هؤلاء يُحاربون من طرف حفنة من المتحكمين، من الذين عادوا عبر "الغابة الزرقة" ومنصات التواصل الاجتماعي ليُسخنوا "طعارجهم" مجدداً، ويحاولوا أن يُطربوا آذان المصوتين بمقطوعات مهترئة.

لكنني أعتقد، وبكل ثقة، أن "كولشي عاق" .

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك