أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/إيطاليا
أول ما أبدأ به مقالي هذا، تقديم
العزاء لأسرتك الصغيرة والكبيرة، ولجميع المغاربة الذين فجعتهم فاجعة اللامبالاة
والتقصير في المسؤولية، نامي بسلام ولتظل روحك البريئة ترفرف في مكاتب المسؤولين
بجميع الوزارات والإدارات لتذكرهم بما فعلوا، فقد غدرت بك يد الإهمال، ولم يحرك
المسؤولون ساكنًا حتى بعد أن وقعت الفأس في الرأس .
يُروى أن "كسرى أنوشروان"
أراد شراء أرض من عجوز فقيرة رفضت بيعها، فاشترى الأراضي المحيطة بها، لكنه احترم
شرطها في ترك ممر لها ولبقرتها تمر منه كل مساءً عند عودتها من المرعى، لم يخلف "
كسرى" وعده، ولم يتراجع عن عدله رغم تحريض الحاشية على العجوز.
أما هنا، فلا وعود تُحترم، ولا مسؤوليات تُؤدى،
ولا ضمير يستيقظ إلا بعد أن تصرخ الفاجعة.
نامي يا يسرى.. سأخبر كسرى.
وأقول له لم يلتزم المجلس البلدي في
بركان بمسؤوليته كما التزمت " بوعدك مع العجوز يا "كسرى"، وأقول له
أين هم من العدالة والإنصاف..، وأين كانوا قبل أن تسقط الطفلة "يسرى" في
حفرة الإهمال، لم تكن ضحية حادث عابر، بل كانتِ ضحية سياسة عبثية لا تبالي بأرواح
الناس إلا حين تُزهق .
نامي يا يسرى.. سأخبر كسرى.
سأخبره عن ذلك الجهل الذي ينتشر في
البلاد أكثر من مرض "الحصبة"، بعد بيع المدارس العمومية للخواص كل العلل
لها دواء، إلا الجهل، فهو القطار السريع الذي يدهسنا جميعًا ويرمينا في ظلمات الشر
والكره والتخريب وعدم الإحساس بالمسؤولية، جميعا، من سرق غطاء البالوعة لم يكن إلا
شخصًا غارقًا في الجهل، ومن إشترى غطاء بالوعة المياه أجهل منه وطماع، ومن تركها
مكشوفة لم يكن سوى مسؤول متخاذل لا يدرك معنى الواجب .
نامي يا يسرى.. سأخبر كسرى.
وأقول له، كيف لحكومة تجتمع فيها
السلطة والمال أن تكون عاجزة عن حماية الأطفال، رئيس الحكومة الذي يحقق الأرباح من
المحروقات ويتاجر في معاناة المواطنين برفع الأسعار وأكبر الأضرار ولا يوجد منظار
للرقابة ليحاسبه إلا الواحد القهار، لم يكلف نفسه بناء بنية تحتية تقي الصغار شر
السقوط في الظلام ، فضيحة "16 مليار سنتيم" التي تفجرت في وجه رئيس
الحكومة قبل سنوات وتم الدرء عليها ليست مجرد أرقام، بل هي دليل على نهب الحقوق
وإستغلال النفوذ، وأحد هذه الحقوق كان غطاءً مفقودًا لعله أنقذك من موتك البطيء في
حفرة لا قاع لها .
نامي يا يسرى.. سأخبر كسرى.
لو كانت هذه الأموال وأموال الملاعب
التي سنحتاجها لشهر واحد موجهة نحو التعليم لربما كنا أنشأنا جيلًا يعرف معنى
المسؤولية والمصلحة العامة، جيلٌ لم يكن ليسرق ويبيع غطاءات بالوعات الصرف الصحي
مقابل دراهم معدودة، ولم يكن ليسمح بأن تحصد اللامبالاة أرواح الأبرياء ، في
البلدان التي تُحترم فيها الحياة للمواطن، لا تسقط الطفلات في بالوعات الصرف
الصحي، ولا يُترك المواطن لمواجهة قدره بسبب استهتار مسؤولين لا يتقنون التبرير
والوعود الزائفة، وإنما الإستقالة جاهزة في أي لحظة وثانية، وإنما الرقابة
والمحاسبة سيف مسلط على رقبة اي كان.
نامي يا يسرى.. سأخبر كسرى.
سأقول له أننا لو كنا نعيش في بلد يحترم فيه المسؤولون عهودهم كما فعلت يا
" كسرى"، لما كانت الطرق مميتة، ولما كانت البالوعات أفخاخًا تحصد أرواح
الأبرياء، أي عدالة نبحث عنها في بلد يترك مواطنيه عرضة للخطر ثم يبحث المسؤول عن
مبررات واهية بعد فوات الأوان، أين هم من عدلك يا "كسرى" الذي التزمت
بوعدك حتى أمام البسطاء .
نامي يا يسرى.. سأخبر كسرى.
أنه لم تكن قصتك مجرد حادث مأساوي، بل كانت مرآة تعكس واقعًا
مريرًا، لم تسقطي وحدك، بل سقطت معك منظومة كاملة، سقطت وعود المسؤولين، وسقط معها
كل ما تبقى من ثقة المواطن في الحكومة، لم تكن العدالة وتحمل المسؤولية يومًا مجرد
كلمات تكتب في الخطابات الرسمية، بل فعلًا وإلتزاما يُنفذ، وقرارًا يُحترم،
ومسؤولية يتحملها من تولى الأمانة، مصداقا لقولته تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا
الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"
صدق الله العظيم .
نامي يا يسرى.. سأخبر كسرى.
أن في قصتك لن يكون هناك "كسرى"
يأخذ حقك ويحاسب المسؤول عن روحك التي أزهقت في بالوعة مياه الصف الصحي، وهو الصك
الذي سيبقى وصمت عار على جبين كل مسؤول متخاذل في الدولة، وسيكون هناك متهمون كثر،
بعضهم تواطأ بالصمت، وآخرون شاركوا بالإهمال، وجميعهم مسؤولون عن رحيلك.
لكن يا ترى، هل سيسمعون صوت أنفاسك
فوق رؤسهم في مكاتبهم المكيفة حرا وقرا، أم أنهم منشغلون بعدِّ الأموال التي لا
نعرف أين تذهب .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك