عادل تشيكيطو يكتب: ما نحتاجه اليوم…

عادل تشيكيطو يكتب: ما نحتاجه اليوم…
مقالات رأي / الجمعة 28 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم : عادل تشيكيطو

تعرضتُ في بدايات مساري على رأس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان لحملة تشهيرية قادتها بعض المواقع الإلكترونية، بسبب مواقفي من احدى القضايا، وكانت حملات التشهير تلك بمثابة طعنات في الظهر لا تخطئ أثرها، إذ حولت صراعي لأجل الموقف إلى انكسار، الحمد لله تجاوزته بالتجاوز والتسامح.

يومها نصحني أحد القياديين في النقابة الوطنية للصحافة، وهو شخص أقدّر حكمته، بأن ألجأ إلى لجنة الأخلاقيات، مُطمْئناً إياي بأن قراراتها ملاذ يُحتكم إليه، فكتبت الشكاية ودقّقتها وأرفقتها بالأدلة، ثم… توقفت.

ليس خوفاً ولا تردداً، بل لأن مسار اللجنة، آنذاك، لم يمنحن يقيناً بأنها قادرة على وضع حدّ لأي انحراف، أو أن «تلجم» من يأخذ القلم كأداة لإيذاء الناس… آثرت أن أترك الأمر «لله»، وأن أمضي بطبيعتي التي لا تُثقل ذاكرتها بالخصومات.

ومع مرور الأيام طويتُ الصفحة وغلب فيّ طبعي المتسامح، لكن التشهير بقي مطارداً لعدد غير قليل من المغاربة، وخاصة الصحفيين والمدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان، وجلهم امتنعوا عن اللجوء إلى تلك اللجنة للسبب نفسه الذي منعني: وهو غياب الثقة.

اليوم أكتب بعد أن هدأت النفوس نسبياً، وبعد أن انقشعت غمامة الانفعال التي أثارها الفيديو الذي نشره الزميل حميد المهدوي—الذي أجدّد تضامني معه ومع أسرته.

أكتب لأقول إن أخطر ما أصاب مؤسسة المجلس الوطني للصحافة ليس مضمون الفيديو وحده، بل ضياع الثقة في أهم لجانه؛ الثقة التي تهاوت في أعين الصحافيين أولاً، ثم في أعين المواطنين الذين يُفترض أن يشعروا بأن العدالة المهنية لا تُدار بذاتية خسيسة ولا بانحياز.

قد يكون مضمون الفيديو قاسياً، وقد تشكّل الواقعة برمّتها فاجعة مهنية، لكن الكارثة المُستترة—التي قد لا ينتبه لها كثيرون—هي فعل التسريب نفسه. فالتسريب، مهما قيل في تبريره، يُشرعن سلوكاً خطيراً، يشبه ما وصفه بعض حكماء الصحافة العالمية بأنه «الاغتيال الرمزي للصحافي».

اليوم انتصر التسريب للزميل المهدوي، وكشف القناع عن خصومة حُسمت بأدلة لا تُكذب، وهذا لحسن حظنا ولأنه مرضي الوالدين، لكن هذا «النصر» ذاته، من جهة، قد يتحول إلى شرخ أعمق إذا استُخدم لتآكل ما تبقّى من هيبة المجلس الوطني للصحافة. لأن ضياع الثقة لا يعود بسهولة، وحين تهتزّ مؤسسة يفترض أن تكون «ضمير المهنة»، فإن كل الجسد الصحافي يصبح مكشوفاً أمام العبث.

من جهة أخرى تصوروا معي إذ استعمل التسريب ضد صحافي يسمع له من طرف لجنة الاخلاقيات،    وكان فعله مذموما مهنيا واخلاقيا ، ماذا سيكون الموقف آنذاك؟!.

إن واجبنا الآن—لا الشجب وحده ولا التنديد فقط— دورنا وواجبنا ايضاً هو تحويل هذه اللحظة إلى فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه: إعادة ترميم البيت الداخلي، وصيانة ما تبقى من أخلاق المهنة، وإعادة الاعتبار لمبدأ أن الصحافة «حِرفة الضمير»، لا ساحةُ تصفية حسابات.

دورنا هو مواجهة عقيدة الانحراف التي  بسطت  هيمنتها على المهنة، وان نعيد  تكثل "رأس المال" إلى حجمه حتى لا يبتلع ما تبقى من سمعة المهنة ويحولها إلى حوانيت بيع خدمة "ادفع لي لي لأجعل منك أو لتكون".

لقد قالت إحدى التجارب الأوروبية، تحديداً بعد فضيحة تنصت صحيفة "نيوز أوف ذا وورلد" البريطانية على المواطنين، عام 2011، إن المؤسسات التي تهتزّ ثقة الناس بها لا ينقذها الصمت ولا المعالجات التقنية. ما ينقذها هو مواجهة الذات بشجاعة، والاعتراف بالأخطاء، وإصلاح قواعد اللعب المهنية بما يعيد للناس الإحساس بأن هناك ميزاناً لا يميل.

وذاك ما نحتاجه اليوم

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك