بقلم : أحمد الراوي
شهد البيت الأبيض اجتماعًا حمل ثقلًا
سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي
الأمير محمد بن سلمان، في محطة اعتُبرت الأهم منذ سنوات على مستوى العلاقات بين
واشنطن والرياض. فاللقاء لم يكن بروتوكوليًا بقدر ما كان منصة لإطلاق تفاهمات
تتجاوز صفقات السلاح التقليدية، وتمتد إلى الأمن المشترك، والتكنولوجيا المتقدمة،
والطاقة النووية، إضافة إلى ملف سياسي معقّد يلاحق الإدارتين: التطبيع مع إسرائيل.
اللقاء جاء بعد أيام من تبني مجلس
الأمن خطة ترامب بشأن غزة، ما أعطى إشارة واضحة بأن واشنطن ترغب في تحويل ثقلها
الدبلوماسي نحو ترتيب جديد في المنطقة. وفي المقابل، سعت السعودية إلى استثمار
نافذة نفوذها مع إدارة ترامب الثانية لإرساء تفاهمات تُحصّن أمنها وتضمن استمرارية
الشراكة الاستراتيجية مهما تغيّرت الإدادات الأمريكية.
ورغم علاقة الود التي تجمع الرجلين،
يدخل كل منهما هذه المحادثات بسقف مرتفع من الطموحات. ترامب يبحث عن تتويج سياسي
يتمثل في ضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، بينما يربط ولي العهد أي خطوة تطبيعية
باعتراف واضح بدولة فلسطينية، وهو شرط ترى الرياض أنه غير قابل للمساومة في هذه
المرحلة.
المحلل السياسي فارس خشان يرى أن
التمهيد لذكر إقامة دولة فلسطينية في نص خطة ترامب داخل مجلس الأمن لم يكن خطوة
عابرة، بل محاولة لفتح الطريق أمام ترامب لإقناع بن سلمان بقبول التطبيع. غير أن
خشان يؤكد أن العقدة السياسية ما زالت قائمة، خصوصًا بعد أحداث السابع من أكتوبر
التي عززت حساسية التقارب السعودي الإسرائيلي.
اقتصاديًا وتقنيًا، دخلت السعودية
المفاوضات بطموحات ضخمة. فشراء طائرات أف-35 ليس سوى جزء من الصورة، إذ تضع الرياض
أعينها على رقاقات فائقة التطور تدخل في منظومة الذكاء الاصطناعي، وهو مجال تعتبره
أساس رؤيتها التنموية. لكن الكونغرس يبقى عقبة أمام إتمام الصفقة، إذ يشترط
التطبيع قبل تمرير أي بيع للطائرات المتطورة.
في المقابل، قدم ترامب للسعودية خلال
الاجتماع إعلانًا عن اتفاق دفاعي جديد، خطوة فسّرها متخصصون بأنها محاولة لإظهار
التزام أمريكي مستقر بعيدًا عن تقلّبات الإدارات المتعاقبة. السعودية، من جهتها،
تبحث عن صيغة دفاعية ثابتة تُخرج علاقتها الأمنية بواشنطن من دائرة المزاج
السياسي، وتضمن عدم تكرار ضربات كضربة أرامكو أو استهدافات الحوثيين.
ويشير خشان إلى أن الرياض باتت لاعبًا
اقتصاديًا يصعب تجاهله، وأن واشنطن لن تسمح لأي طرف، بمن فيهم نتانياهو، بأن يعطّل
مسارًا استثماريًا بهذا الحجم. فالوعود السعودية بتوجيه مئات مليارات الدولارات
نحو الاقتصاد الأمريكي تجعل من المملكة شريكًا له كلمة مسموعة داخل دوائر القرار.
أما الصفقة المتعلقة بالذكاء
الاصطناعي، فيعتبرها خشان أهم من صفقة الطائرات. فسباق التكنولوجيا أصبح ميدان
القوة الحقيقي بين الدول، وتجربة المواجهة بين إسرائيل وحزب الله عام 2024 أبرزت
الدور الحاسم لهذه التقنيات. الولايات المتحدة تريد احتكار هذا المجال داخل
علاقتها مع السعودية، وتحرص على منع وصول أي من هذه القدرات إلى الصين أو روسيا.
ويتقاطع هذا التصور مع رأي الباحث
إيهاب نافع الذي يستذكر كيف سارعت الرياض إلى اتفاق أمني مع باكستان ذات القوة
النووية بعد الضربة الإسرائيلية في الدوحة، ما يظهر أن المملكة مستعدة لفتح أبواب
بديلة إذا شعرت بأن مظلتها الأمنية مهددة. ويرى نافع أن ترامب يحاول إقناع القيادة
السعودية بأنه القادر على تقديم الضمانات الكبرى، سواء في مجال الحماية النووية أو
التكنولوجيا المتقدمة.
وفي سياق الطاقة النووية، تحدثت مصادر
عن تفاهم أمريكي سعودي بشأن تزويد المملكة بتكنولوجيا الاستخدام السلمي للطاقة
النووية، فيما يعتقد نافع أن الجزء العلني هو مجرد واجهة، وأن تفاهمات أعمق قد
تكون قد نوقشت بصمت، تمسّ البعد الاستراتيجي والعسكري وتُبقي السعودية ضمن الدائرة
الأمنية الأمريكية.
بهذه المعادلة، يظهر أن لقاء ترامب
وبن سلمان لم يكن مجرد لقاء سياسي، بل نقطة تحول في علاقة تتجه نحو صياغة تحالف
جديد يقوم على مزيج من الأمن الصلب، والتعاون التكنولوجي، والمصالح الاقتصادية، مع
ظلّ ثقيل يخيّم على المشهد: عقدة التطبيع واستحقاقات إقامة الدولة الفلسطينية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك