 
								
								
								
								أنتلجنسيا المغرب: وكالات
في مشهد يختزل مفارقات الديمقراطية الفرنسية، أُغلق باب زنزانة
صغيرة في سجن “لاسانتي” الباريسي على الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، بعدما ودّع
عائلته ومؤيديه الذين تجمهروا خارج أسوار السجن، في لحظة تختلط فيها الرمزية
السياسية بوقع العقاب الجنائي.
لم يكن مشهد ترجل ساركوزي في الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري
مشهدا عاديا، بل بدا أقرب إلى لقطة سينمائية مستوحاة من رواية “الكونت دي مونتي
كريستو”، حين يسقط النبيل في هاوية السجن ليعود لاحقا وقد لبس ثوب الانتقام
والهيبة. لكن هذه المرة، كان الرجل الذي حكم فرنسا يوما يدخل زنزانة لا تتجاوز
تسعة أمتار مربعة بتهمة تكوين جمعية أشرار والتورط في قضايا فساد مالي.
الصحفية الفرنسية الاستقصائية إزابيل سابورتا لم تخف انزعاجها
من مشهد إيداع ساركوزي في السجن، رغم اختلافها السياسي معه. فقد تحدثت عن مفارقة
أن يُزج برئيس سابق مع كبار المجرمين، معتبرة أن ما جرى لا يليق برجل حكم فرنسا.
ومع ذلك، ظل القضاء متمسكا بصرامته في تنفيذ الحكم بالسجن خمس سنوات نافذة.
في زنزانته الانفرادية، يعيش ساركوزي ضمن جناح خاص بالمحتجزين
المعرّضين للخطر، مزوّد بتلفاز وهاتف ثابت خاضع للمراقبة ومكان للاستحمام ولوح
طبخ، وهي امتيازات لا تتوفر لمعظم السجناء الفرنسيين، ما يعيد إلى الواجهة النقاش
حول عدالة النظام العقابي بين فئات المجتمع.
بينما يحظى الرئيس السابق بمعاملة تفضيلية، تغرق السجون
الفرنسية في أزمات متلاحقة من اكتظاظ وعنف وتردٍّ صحي مقلق. فوزارة العدل الفرنسية
أقرت في يوليو الماضي بأن عدد السجناء تجاوز 83 ألفا في سجون لا تتسع إلا لـ64
ألفا، مما يجعلها واحدة من أكثر المنظومات العقابية اختناقا في أوروبا.
تقرير “سبيس 2024” الصادر عن مجلس أوروبا أكد أن فرنسا تحتل
مرتبة متقدمة في قائمة الدول التي تعاني من كثافة سجنية مرتفعة، إذ يقابل كل مائة
مكان احتجاز أكثر من مائة وأربعة وعشرين سجينًا، في مؤشر صارخ على عجز السلطات عن
معالجة الخلل البنيوي في إدارتها للسجون.
أما المرصد الدولي للسجون
فذهب أبعد من ذلك، واصفًا بعض السجون الفرنسية بأنها “مقابر بشرية” تفشل في إعادة
الإدماج وتفتقد لشروط الحياة الكريمة، حيث تتجاوز بعض المؤسسات نسبة 200% من
طاقتها الاستيعابية، لتتحول العدالة التي حاكمت رئيس الجمهورية إلى مرآة لخللها
الداخلي ولأوجاع مجتمعٍ لم يعد يثق كثيرًا في عدالة شعار “الحرية والمساواة
والأخوة”.
 
 
 
         
                         
                                     
                                     
                                    
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك