دة بن المداني ليلة/ د: الغزيوي أبو علي..التربية بين التأصيل والتحديث المنهجي

دة بن المداني ليلة/ د: الغزيوي أبو علي..التربية بين التأصيل والتحديث المنهجي
تعليم / الجمعة 07 نوفمبر 2025 - 20:00 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

بقلم : دة بن المداني ليلة

د: الغزيوي أبو علي

تقديـــــــــم:

   تواترت نظرية المعرفة في أدبيات التربية التي تعرضت لهزات عنيفة من طرف مختلف المدارس والتوجهات الفلسفية والنظريات التربوية بمختلف فروعها، من هنا نطرح السؤال هل نحن في حاجة إلى فلسفة للتربية؟ فالسؤال مرتبط بالإنسان لأنه فيلسوف بشكل ما، يواجه الحياة والموت، والواقع والوجود والمعرفة إنها جهد عجيب عنيد للتفكير بوضوح وعملية متصلة من التفكر والتدبر للفهم النهائي للمسائل وتحقيق هدف معين كما يرى وليام جيمس هكذا أمست الفلسفة موكولة بالحكم على الافتراضات العلمية بحكم أنها سابقة عليها، ولقد حاول العديد من الباحثين بتفسير المعنى وتأويلها إذن نطرح السؤال كيف نستقرئ الجسد تربويا؟ من أجل مساندة الإنسان على تحقيق التقدم، لذا تميزت نظرية المعرفة البسيطة حتى لم يعد في وسعنا التوصل إلى أية نتيجة في الفلسفة أو في الأدب دون أن تطل علينا مشكلة المعرفة برأسها، <<فالمعرفة لا تكون بريئة بل هي مرتبطة بالوجود وبالمجتمع وبالعقل وبالمنطق وبالنسق النفسي وبالأخلاق لذا فالبشر جميعا يسعون إلى المعرفة بحكم طبيعتهم>>، فالمعرفة هي التمرد ضد الوهم والخيال لتجعل هذا الكائن الحي يعي كينونته وسلوكيته، وتساعده على التمييز بين الكائن والممكن، والخير والشر والحقيقة والوهم، فهذه الثنائية لا تستقيم إلا بتعرف الإنسان على ذاته، باعتبار أن المعرفة اللازمة بالضرورة هي التي تحرره من الأسر الوجودي، من هنا تتضح أن المعرفة بأبعادها التربوية جعلت الإنسان ينظر إليها من مختلف الزوايا دون الاقتصار على فلسفة واحدة ويرى بوشنسكي في هذا المقام: <<لا توجد فلسفة واحدة هي التي تمثل العصر>>، وانطلاقا من هذه الزاوية كما ذكرت أن هناك اتجاهات متعددة ومتنوعة تجعل الإنسان غير مرتبط برؤيا واحدة ولا في إطار واحد داخل البناء العام للمعرفة، وهذا التصور الجدلي يضع الإنسان في وسط التحليل والتركيب وبين الجزء والكل، والاستقراء والاستنباط وبين الإدراك والعقل وفي تطور دائم لن يصل فيه إلى تمامها، واعتبر الإبستمولوجيا تبحث في هذا التطور ستغدو بالتالي نظرية في المعرفة، فرغم هذا الطرح الذي نجده في العديد من الكتب والمعاجم حول الابستمولوجيا ونظرية المعرفة فإن هذا الاختلاف ليس له تقويما في الموضوع وتبعا لسنة التطور وقانون الممارسة الإبداعية فإن نظرية المعرفة، فإذا أخذنا المنهج الدوجماطيقي فهو منهج مغلق لا يحتاج إلى حقائق ولا إلى أدلة عقلانية، هدفه هو الطمأنينة ويقين الأفكار وأن ما عداها من أراء ومذاهب لا تمتلك الحقيقة، لكن هذا المذهب الدوغماتيطيقي تعرض لهزة عنيفة من طرف المذهب الشكي الذي لا يقرر بحكم واحد ولا بحقيقة واحدة لذا استحال الركون إلى هذا المذهب المغلق لأن ليس هناك علامة للحقيقة، يمكن تمييزها بين الإدراكات الصحيحة والباطلة، كما أكدها تلاميذ أفلاطون أو كيزيلا و Arcesilaus وكارنيادس (Carneades)، حيث يرى كل واحد منهما أننا لا نستطيع معرفة شيء عن التكوين الجوهري للعالم وللأشياء.

التربية والفكر المسالم:

   إذا كانت الأزمة التربوية قد ولدت منطقها من فهمها فإن الذات تملك الواقع دون العودة إلى التصور المثالي، ودون العودة إلى المنطق الذي أبدعها، ولقد شكل التاريخ الجسد تاريخا لوضع مفهوم الإمكان بين قوسين، والحال أن هذا الجسد التربوي هو الذي يرمز في أيامنا إلى الحضارة وإلى الثقافة، والفكر، ولذا حاولت في هذا المقال أن أعيد قراءة هذا الجسد التربوي من أجل تعميق بعض أثاره الأساسية مقتنعا بأن إعادة صياغة التمفصل الفني والثقافي هو الذي سيفتح الأفاق لمراجعة الوسائل والغايات، وأكثر من ذلك لمراجعة المشاكل المعاصرة، حيث يحفزنا على القيام بانتخاب متولد ذاتيا وليسمح بالتخلي الهادئ على بعض القراءات السطحية، فالجسد هو عبارة عن رؤية إبستمولوجية ومرجع تأويلي كما أكد روتي، إذن يتميز الجسد بتمفصل فعاليته الإبداعية وذلك بممارسة دفاعية ذات رؤية وأهداف جديدة، لأن تقويم لهذا الجسد التربوي يعد عملا مركزيا حتى نستطيع أن نعرف هذه النزعة التاريخية التي مر بها والدينامية التي نسجلها في سجل الموروث الأنتربولوجي، إذن سنطرح السؤال التالي كيف نتعرف على الخطاب الجسدي؟ فهذا السؤال كما أعتقد ليس بريئا، بل محملا بوحل من الأسئلة التي تمنح له الشرعية بكونه خطابا مفتوحا، وحاجة ضرورية يسمح لنا بتحديد الموضوعات الموجودة في الغرب، وهذا التحديد هو العالم المشترك وأيضا المعارف المكونة التي ينبغي معرفة شكلها كسيرورة مقبولة ومتفق عليها، بغرض الحصول على النتائج التي استخلصها الفيلسوف الفرنسي تود، رغم الانتقادات التي وجهت له ودفعته إلى معرفة مرجعية الغرب الاستعماري، والاقتصادي والسياسي، والفكري والعرقي، كلها تربية وقيم لا عقلانية وإشكالية تقوم على فلسفة الهيمنة بواسطة العقل وبالثقافة، والحال إن هذه البناءات التيماتية لا يمكنها إلا أن تكون حجاجية، ما دامت الفلسفة الغربية تجد نفسها محرومة من القدرة على إعطاء أدلة منطقية أو تجريبية، لما تؤكده هذه الأطروحة الاستعمارية في العالم العربي ظلت الإيديولوجيا التحديثية عبارة عن مشروع نخبوي، حيث عملت الطبقة المثقفة بالتفاعل مع الأجنبية فبلورت المفاهيم ولم تمتد إلى الدولة، حيث بقيت هذه الأخيرة تقليدية في أسسها البنيوية وبقي الفكر الجماهيري التقليدي سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو المعرفي دون الإيمان بحق في الاختلاف وبقي الجسد مكبلا بوحل من الأخلاق والعادة، والعرف لذا طرح المستعمر الحداثة دون معرفة خصوصية هذا الجسد وهذه المجتمعات، فوجدت هذه الأخيرة نفسها في الوحل دون معرفة معنى جسد الحداثة ولا تصوراتها ولا خصوصيتها، لذا تشبثوا بالدين كإطار للحفاظ على الهوية الوطنية وهذا ما أكده الأفغاني ومحمد عبده، وبقي العقل العربي مربوطا بإيديولوجية السلف الصالح، لذا ظل هذا الفكر السلفي يؤدلج هذا الجسد ويردد الشعارات الوطنية، وإنبات جذوره المقدس ضد الآخر المدنس ويقول محمد أركون في هذا المقام: <<إن العقل في السياق الإسلامي تتراكم عليه الإكراهات القسرية، وقد خلق هو بالذات هذه الإكراهات لنفسه عندما كان يناضل من أجل الاستقلال>> محمد أركون <<الفكر الأصولي واستحالة التأصيل>> تر هاشم صالح دار الساقي ط3 – 2007 ص19، فأركون في كل طروحاته يضعنا أمام إشكالية المقدس باعتبارها أرضية التي من خلالها نلج إلى عالمه للمساءلة وللتأويل وذلك من أجل نزع القداسة لكي تتلاءم مع شروط المعرفة الاجتماعية، فأركون كما قلت لا يريد إعادة دولة الخلافة، بل أراد مجتمعا مدنيا مؤسسا على الفردانية والحرية والحداثة، ويرى عبد الإله الكلخة أيضا في كتابه "المقدس والسلطة"، بهذا المعنى أصبح الجسد السياسي الإسلامي والعربي ظاهرة تكرارية لا يتعدى هوية ووجدان الفرد، فالعقل الديني الأصولي لا يبيح لنفسه الاجتهاد خارج زمن البعثة والخلافة الراشدة>> ص200 – فالشرق لا يدرك وجوده إلا كعقيدة وكإيمان وجداني روحاني وهذا ما دفع بالعروي عبد الله إلى إعادة النظر في الأطروحة الموجودة بين الشرق والغرب، معتبرا أن الغرب هو المبدأ الجوهري للخروج من التبعية والتخلف كما جاء في كتابه "الإيديولوجية العربية المعاصرة"، 1995 ط1 ص56 ونجد أيضا محمد عبد الجابري الذي يؤكد على التطور التاريخي للأنساق الفكرية، من أجل تجديد فعل المثاقفة، إذن فالنمو المعرفي السريع الذي ظهر نهاية القرن المنصرم وبداية الألفية الثالثة، فتشكل هذا الجسد ثراءا فرض لنفسه على الواقع والإنسان وعلى الآلة، أمسى يكتسب طابعا ثقافيا، وبعدا وجوديا، لأن التعامل مع جسد الطفل الذي تحول إلى صناعة رجولية من طرف الأسرة، جعلنا نخلص إلى القول إن القبيلة لا تسمح للطفل أن يعيض طفولته، بل تلزمه أن يكون عنوانا للرجل أو المرأة، وهذه الرؤية الالتزامية جعلت الطفل يتعايش مع واقعه لكي يكتسب صفة الرجولة دون أي سند فيزيولوجي أو تربوي، وهذا العنف أو الشر السائد حسب تعبير باومن في كتابه "الشر السائل" ص43، لأنه يذيب الطفولة في المادة الصلبة التي بتغير حسب طبيعة الأسرة، وهذا الانتهاك لا تأسف أبدا عليه ولا تعترف به (القبيلة أو الدوار أو المدشر)، بل هي طريقة التي يتحدث بها منطق القوة، ولا تكمن الفضيلة إلا ببقاء الطفل أو الطفلة القوة وبراعته الفائقة، لأن الطفل لابد أن يحترم صاحب السيادة والرياسة.

التربية والفعل المضاد:

   إذن فالتربية تمثل أخطر وأهم ممارسة تربوية يقوم بها التربوي وجب القيام بها بعيدا عن الأحكام القيمية والذاتية ولا يتأسس ذلك إلا بتسليط الضوء على الأعمال اليومية التي يقوم بها المتعلم أثناء دراسته، قصد توجيهه ودعمه من أجل تحسين جودة التعليم والتعلم، كل هذا يقتضي منا أن نعرف الأهداف والمرامي التي ينبغي صياغتها كإشكالية كبرى: من ندرس؟ وكيف ندرس؟ ولماذا ندرس وكيف نقيم النتائج؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة تجعلنا نعي بشيء ما هو موضوعي على أنه معطى بشخصية المتعلم، فيسمى بالفاعل أو المدرك إدراكا موضوعيا كذلك وعلى هذا المعيار الأولي فهو إلزامي والمقود به البعد الموضوعي لأنه معطى فينومينولوجي يهدف إلى إبراز الأبعاد التربوية والنفسية والاجتماعية دون رؤية مسبقة، فتنوع الاهتمامات التي تناولها التربويون في وقتنا يحول دون حصر عدد المواضيع التي تم تداولها وتشخيصها، إذن أن الأبحاث التربوية حاولت أن تمسك بعض المعطيات الجديدة من أجل إغناء كل المقاربات التربوية في مجتمعنا ويقول دوركهايم في هذا الصدد : <<إن التربية هي الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين على جيل الذين لم ينضجوا بعد للحياة الاجتماعية>>1                                                                         (Emile durkheim : éducation et sociologie-ed P.UF col la sociologie Paris 1973 P.60)

وانطلاقا من هذا الطرح نرى أن التربية هي تأصيل التنشئة الفردية والجماعية وتزويدهم بما يلائم شخصيتهم الاجتماعية إذن فالبعد التربوي هدفه هو مسايرة الركب الثقافي والحضاري والإنساني، والانفتاح على مختلف المقاربات النظرية بطريقة نقدية وواعية، لأن الجمع بين البعد النظري والتجريبي أعطى للبعد التربوي مشروعية وقيمة علمية يمكن أن في الدراسات السوسيوثقافية والرمزية والوظيفية والنفسية، فالتربية لا تتأسس إلا بواسطة الإنسان، فهو مقياس كل شيء، فهي تبعث على ممارسة التفكير العقلاني لفهم المتناقضات التي يحيل بها الواقع المجتمعي دون العودة إلى عملية التلفيق "Processus de bricolage" حسب ليفي شتراوس في كتابه "La pensée sauvage" p24، فالتربية هي الجوهر والماهية، فعبرها يتأسس المجتمع وتستقيم الأمة دون فرض سلطة ولا يمكن أن تكون المدرسة ملكا لحزب ويقصر المعلم في واجباته عندما يستخدم السلطة التي يملكها ليجرر تلاميذه إلى أفكاره البالية والمدججة بالإيديولوجيا "التربية والسوسيولوجيا" ص62 دوركايم) إذن ينبغي أن يكون للتربية وظيفة اجتماعية وأخلاقية ووطنية ونفسية ودينية وحرية، فلا ينبغي أن نقتصر على الثابت دون المتحول، لابد أن نتغير تبعا لسنة التطور وقانون الممارسة الإبداعية كما تقول المادية الجدلية، فالتربية حسب كارل ماركس وانجلز لا تبقى أسيرة التصورات البورجوازية الخادعة ولا في عرش الإشراقي المثالية، بل لابد من كسر هذا الوعي المهيمن الذي يحجب الحقيقة، وذلك من أجل كشف قناع السلطة المادية وتقنياتها الثقافية الحضارية، "نقد التربية والتعليم" ص32 وهنا يطرح السؤال من يتحكم في التعليم؟ ولصالح من؟ وكيف يمارس المدرس سلطته؟ وهل يملك المتعلم قدرة الاختلاف؟ وكيف نمحو الزيف؟ أسئلة كثيرة جعلت ماركس يقربنا من الخلل الذي يحاصر الإنسان التربوي سواء في المكتب أو المصنع، واحتجاز الأطفال في المدارس بالقوة والعنف دون فعل الخلفية المتحكمة، لأن إهمال التربية الفكرية، والجسدية والتكنولوجية تجعل الإنسان غير قادر على الإنتاج والتفاعل مع وسطه، مما دفع بورديو وباسرون إلى إعادة الإنتاج والحفاظ على النظام القائم، لأن الفعل التربوي حسب هذين المتخصصين هو موضوع رمزي يمارس في علاقة تواصل بيداغوجي دون إنتاج أبيتوس (Habitus) مغاير إذن لابد من إيجاد ممارسة محافظة التي تعمل على إنتاج ما هو قائم كدرجة الإعداد الشرعي Inculation، وهذا ما نراه في الجامعات الخاصة والعامة وفي بعض المدارس المرتبطة بسوق الشغل، لذا نجد أغلب الطلاب يلجون كليات الأداب والعلوم الإنسانية، أما الآخرون الصلحاء فهم يندمجون المعاهد الخاصة لأنهم يمتلكون الأوامر والنواهي والامتيازات فهذه القدرية الاجتماعية يمكن تجاوزها بطريقة عقلانية من أجل تأهيل صاحبها بالولوج إلى المدارس العليا الخاصة، لذا نجد الشكوى من الوزارة والأكاديميات والأطر التربوية والأباء بضعف المردودية لأن المتغير الاجتماعي يؤثر على الفعل التربوي وخاصة ما بعد الباكالوريا لأنها تخضع للانتقاء البشري ولامتيازات ثقافية، وهنا يبرز القناع الذي يخفي نوعا ما التمييز الطبقي والسياسي كما يرى بورديو (الورثة) ص108، فالمطالبة بإعادة النظر في العوامل التي توفر لنا كل الشروط الحقيقية لفهم من نحن؟ وكيف نؤشر لجيل جديد؟ وما أنواع النقد الموجه لهذه الوزارة الوصية وخاصة فيما يتعلق بالمفصولين، والتطور بالنسبة لمختلف مستويات التعليم التي لا يمكنها أن تتحدد إلا في إطار النسق الاجتماعي في كليته كما يرى ريمون بودون في كتابه:

   L’inégalité des chances p55 فهذه الأبحاث ركزت على السلوك المدني ومؤثرات الوسط الاجتماعي على الفرد، فإنها ستظل غير قادرة على إدراك ظواهر مثل بنية اللامساواة في الحظوظ التعليمية التعلمية، فالانتقال الخطير من أفق الفكر المسالم إلى أفق الممكن قد يفرض علينا بعدا تعديلا حاسما في آلة أنفسنا، لأن تاريخ الفكر التربوي قد ظل عندنا إلى وقت ليس ببعيد تاريخا، تعني أن يكفر ويمحو التلاميذ عن الملة القريبة الروحانية.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك