أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
يضع أحدث تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، المعروفة اختصارا بـ"الفاو"، المغرب أمام مرآة مائية قاسية، تكشف أن البلاد تعيش ندرة بنيوية في المياه لم تعد ظرفية ولا مرتبطة فقط بتقلبات المناخ، بل أصبحت نتيجة خيارات اقتصادية وسياسات عمومية عمّقت الاستنزاف وراكمت الاختلالات.
فحصة الفرد من الموارد المائية المتجددة لم تعد تتجاوز 776 متراً مكعباً سنوياً، وهو رقم يضع المغرب في خانة الدول التي تعيش ضغطاً مائياً دائماً، ويُنذر بتداعيات اجتماعية واقتصادية أخطر في السنوات المقبلة.
الزراعة تلتهم الماء والدولة تتفرج
تكشف معطيات التقرير (لمحة عن بيانات المياه 2025)، أن القطاع الفلاحي يبتلع ما يقارب 88 في المائة من إجمالي المياه العذبة المسحوبة في المغرب، مقابل نسب هامشية للصناعة والاستعمالات البلدية.
هذا الاختلال الصارخ يعكس استمرار نموذج فلاحي موجه للتصدير، كثيف الاستهلاك للماء، تحميه الدولة وتدعمه رغم كلفته البيئية والاجتماعية الباهظة، في وقت يُطلب فيه من المواطن القبول بالعطش والتقشف المائي.
أرقام الضغط المائي تفضح السياسات
بلغ إجمالي السحب السنوي للمياه العذبة أكثر من 10.5 مليارات متر مكعب، وهو رقم يعكس حجم الضغط المتراكم على الموارد المائية الوطنية.
والأخطر من ذلك أن مؤشر الإجهاد المائي تجاوز 50 في المائة، أي ضعف العتبة التي تعتبرها المعايير الدولية خطاً أحمر.
وهذا المستوى يعني أن المغرب يستهلك أكثر من نصف موارده المائية المتجددة سنوياً، وهو وضع لا يمكن استمراره دون كلفة استراتيجية.
ري محدود وفعالية ضعيفة
رغم الخطاب الرسمي عن “تحديث الفلاحة”، لا تتجاوز نسبة الأراضي المزروعة المجهزة للري 16 في المائة، ما يفضح محدودية الاستثمار في حلول عقلانية ومستدامة.
كما أن مؤشر كفاءة استخدام المياه، الذي لم يتجاوز 26 في المائة خلال خمس سنوات، يكشف ضعف مردودية السياسات المعتمدة، وغياب إصلاح حقيقي يربط بين الإنتاج الفلاحي وحماية الموارد.
أزمة بنيوية لا طبيعية
يؤكد التقرير المذكور، أن الزراعة عالمياً تستهلك 71 في المائة من المياه، لكن حالة المغرب تتجاوز المعدل العالمي بكثير، ما يحوّل المشكلة من ظاهرة طبيعية إلى أزمة اختيارات.
فالإجهاد المائي المرتفع ليس قدراً، بل نتيجة مباشرة لتفضيل مصالح لوبيات فلاحية كبرى على حساب الأمن المائي للمجتمع ككل.
إنذار أممي وصمت رسمي
تضع أرقام منظمة الفاو الدولة المغربية أمام مسؤولية تاريخية، إما مراجعة جذرية للنموذج الفلاحي وتوزيع المياه، أو الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام، حيث يُحمَّل المواطن كلفة العطش، بينما تُحمى الزراعات التصديرية ومراكز النفوذ.
فالمغرب على ما يبدو، لا يعاني فقط من ندرة الماء، بل من ندرة القرار السياسي الشجاع القادر على وقف نزيف مورد هو أساس الحياة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك