أنتلجنسيا المغرب
بعد مرور خمسة أشهر من سنة 2025، بات من الواضح أن القطاع الفلاحي بالمغرب يعيش واحدة من أصعب سنواته في العقد الأخير.
وضع يتسم بالهشاشة المناخية، وندرة التساقطات، وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، ما تسبب في تراجع كبير في الإنتاج، وقلق واسع لدى الفلاحين والمهنيين، وكذا تأثيرات مباشرة على أسعار المواد الغذائية في الأسواق الوطنية.
جفاف خانق..وشح في التساقطات
السمات البارزة للمرحلة الأولى من سنة 2025 هي استمرار حالة الجفاف للسنة الرابعة على التوالي، مع تسجيل مستويات تساقطات مطرية أقل من المعدلات السنوية. عدد من المناطق الزراعية الكبرى، مثل سوس، الحوز، الشاوية، وتادلة، عرفت موسمًا شتوياً شبه جاف، مما أثر مباشرة على الزراعات الخريفية، خاصة القمح والشعير.
وحسب معطيات صادرة عن وزارة الفلاحة، فإن نسبة ملء السدود المخصصة للفلاحة لم تتجاوز 30% في مجمل التراب الوطني، ما دفع السلطات إلى تقنين الري وإيقاف دعم بعض الزراعات المستنزفة للمياه مثل البطيخ الأحمر في مناطق معينة.
إنتاج الحبوب في أدنى مستوياته
بفعل الجفاف ونقص البذور الجيدة وارتفاع أسعار الأسمدة، يتوقع المهنيون أن يكون إنتاج الحبوب خلال موسم 2024-2025 من الأضعف منذ عقدين، مع تقديرات أولية تشير إلى إنتاج لا يتجاوز 30 مليون قنطار، مقارنة بأكثر من 100 مليون قنطار في سنوات الخير.
هذا التراجع ستكون له تبعات مباشرة على الأمن الغذائي الوطني، حيث ستضطر المملكة إلى رفع وارداتها من القمح من السوق الدولية، رغم ارتفاع أسعاره عالميًا بسبب التوترات الجيوسياسية.
الزراعات السقوية تتأقلم بصعوبة
في المناطق السقوية، مثل دكالة وملوية وورزازات، حاول الفلاحون الصمود عبر اعتماد وسائل حديثة للري بالتنقيط وتوسيع الاعتماد على الطاقات المتجددة، لكن الكلفة المرتفعة للمعدات والمواد الأولية شكلت عائقًا أمام صغار الفلاحين. ما زاد الوضع تعقيدًا هو تأخر تحويل الدعم الحكومي للمزارعين، مما أدى إلى انسحاب عدد كبير منهم من الدورة الزراعية الحالية.
الفلاحة التضامنية في مأزق
برامج الفلاحة التضامنية التي راهنت عليها الدولة في إطار "الجيل الأخضر" بدأت تفقد بريقها، حيث اشتكى عدد من الفلاحين الصغار من تعثر تنفيذ المشاريع، وتأخر تمويل التعاونيات، وغياب التأطير التقني. بعض البرامج، خاصة في الأطلس والجنوب الشرقي، توقفت كلياً بسبب تراجع القدرة الشرائية للمستفيدين وغياب المياه.
الماشية والثروة الحيوانية مهددة
القطاع الحيواني بدوره لم يسلم من آثار الأزمة. الكلأ شحيح، والأعلاف غالية، والماشية تعاني من نقص في التغذية والرعاية البيطرية. وقد رصدت وزارة الفلاحة حالات نفوق في بعض المناطق الجبلية، مما دفع الحكومة إلى إطلاق برنامج دعم استثنائي بقيمة ملياري درهم لإنقاذ القطيع الوطني.
رغم هذا، لا يزال ثمن اللحوم الحمراء مرتفعًا، مع توقعات بزيادات إضافية إذا استمر الوضع المناخي على حاله، خصوصًا مع اقتراب عيد الأضحى.
مجهودات الدولة والرهان على الاستثمارات
في مواجهة هذه التحديات، تواصل الحكومة رهانها على برامج كبرى لتأهيل القطاع، من خلال ضخ استثمارات إضافية في تحلية مياه البحر (أكادير، الداخلة، الناظور)، وربط مناطق زراعية جديدة بأنظمة الري الحديثة. كما يتم العمل على تعزيز التمويل الموجه للفلاحين عبر القروض المدعمة من صندوق التنمية الفلاحية.
لكن هذه المجهودات تصطدم بعقبة الزمن، في ظل تراجع ثقة الفلاحين، والانتظارية الكبيرة في صفوف المستثمرين في القطاع، الذين يطالبون بضمانات سياسية ومناخية أكثر وضوحًا.
فلاحة على مفترق الطرق
سنة 2025، التي لم تمر منها سوى خمسة أشهر، كشفت عمق الهشاشة التي ما زال يعاني منها القطاع الفلاحي المغربي. بين الحاجة إلى تسريع الانتقال نحو فلاحة مستدامة، وضرورة مواكبة الفلاحين الصغار بالتكوين والدعم الفوري، تظل الفلاحة المغربية في مفترق طرق يتطلب قرارات جريئة، وسياسات أكثر تكاملاً لمواجهة التغير المناخي والحفاظ على السيادة الغذائية للبلاد.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك