أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
في خطوة غير مسبوقة على مستوى الصناعة الثقيلة في إفريقيا والعالم العربي، أعلن أحمد مهرو، المدير العام بمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، عن خطة طموحة تروم إنتاج ثلاثة ملايين طن من الأسمدة الفوسفاطية باستخدام مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2027، وذلك في إطار استراتيجية بيئية تهدف إلى تقليص البصمة الكربونية للمجموعة والتحول إلى فاعل صناعي أخضر عالمي.
من الفوسفاط إلى المستقبل الأخضر
تُعتبر مجموعة OCP واحدة من أكبر المنتجين والمصدرين العالميين للأسمدة الفوسفاطية، حيث أنتجت في عام 2023 ما مجموعه 14 مليون طن، وهو رقم يُترجم مكانة المغرب كقوة فوسفاطية لا يُستهان بها على المستوى الدولي.
إلا أن التحديات البيئية المتزايدة دفعت المجموعة إلى إعادة التفكير في أساليب الإنتاج، والانتقال من نموذج تقليدي كثيف الانبعاثات إلى نموذج مستدام منخفض الكربون.
ويأتي هذا الإعلان الجديد ليعزز هذا التوجه، حيث أكد مهرو أن المجموعة لا تكتفي فقط بإنتاج المواد الحيوية لتغذية الزراعة العالمية، بل تسعى أيضًا لتكون رائدة في الإنتاج النظيف، عبر استغلال الطاقة الشمسية والريحية لتغذية مصانعها الضخمة.
استثمارات ضخمة لتحقيق تحول تاريخي
في سنة 2023، كشفت مجموعة OCP عن خطة استثمارية هائلة تناهز 12 مليار دولار، تمتد حتى عام 2027، موجهة بالأساس لتزويد منشآتها الصناعية بالطاقة المتجددة. ويمثل هذا الرقم أحد أكبر الاستثمارات في الطاقة الخضراء داخل القارة الإفريقية، ويعكس رغبة المغرب في لعب دور ريادي في التحول البيئي العالمي.
وتسعى المجموعة إلى تحقيق الحياد الكربوني الكامل بحلول عام 2040، ما يعني أن جميع أنشطتها الإنتاجية ستكون إما غير مسببة لانبعاثات الغازات الدفيئة، أو سيتم تعويض تلك الانبعاثات عبر مشاريع خضراء وتقنيات الالتقاط الكربوني.
المغرب في قلب المعركة المناخية
يتقاطع إعلان OCP مع الرؤية الاستراتيجية الوطنية للمغرب، والتي تولي أهمية قصوى للطاقة المتجددة باعتبارها أحد أعمدة السيادة الطاقية والتنمية المستدامة. فمنذ سنوات، استثمر المغرب بشكل مكثف في الطاقة الشمسية والريحية، وأصبح اليوم من بين الدول الأكثر طموحًا في إفريقيا في هذا المجال.
ويمثل انخراط OCP، باعتبارها عملاقًا صناعيا مملوكًا للدولة، ترجمة عملية لهذه الاستراتيجية، ويعطي دفعة قوية للانتقال البيئي في البلاد، كما يُوجه رسالة واضحة إلى الشركاء الدوليين حول التزام المغرب الفعلي بمواجهة التغير المناخي.
تحديات وفرص في الطريق الأخضر
رغم الطموح الكبير، فإن تحويل المصانع الثقيلة إلى العمل كليًا بالطاقة المتجددة يطرح تحديات تقنية وهندسية ولوجستيكية معقدة، تبدأ من تخزين الطاقة وانتهاء بالتوزيع وإدارة استقرار الشبكات الكهربائية. ومع ذلك، ترى مجموعة OCP في هذه التحديات فرصًا للاستثمار في الابتكار وتعزيز الشراكات مع كبريات الشركات العالمية في مجالات الطاقة والتكنولوجيا النظيفة.
وتُراهن المجموعة أيضًا على البحث العلمي، حيث تعمل عبر معاهدها ومراكزها التقنية على تطوير حلول بيئية متقدمة، منها إنتاج الهيدروجين الأخضر واستخدام المياه المعالجة في الصناعة، وكلها عناصر تُكمل الرؤية الشاملة للحياد الكربوني.
سباق عالمي نحو الأسمدة الخضراء
في وقت تعاني فيه العديد من الدول من اضطرابات في سلاسل الإمداد الغذائي والطاقة، تبرز مبادرات مثل تلك التي يقودها OCP كرافعة استراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي العالمي، دون الإضرار بالكوكب. فإنتاج الأسمدة باستخدام الطاقة النظيفة يعني تقليل الانبعاثات، والحفاظ على البيئة، وضمان مستقبل زراعي مستدام لملايين الفلاحين حول العالم.
ومع تزايد الطلب العالمي على الأغذية والأسمدة، يبدو أن المغرب، عبر مجموعة OCP، قد وجد الصيغة السحرية: الجمع بين الإنتاج الضخم والمسؤولية البيئية. وإذا نجح في تحقيق أهدافه بحلول 2027 و2040، فقد يُصبح نموذجًا يُحتذى به في الصناعة الخضراء، ليس فقط في إفريقيا، بل في العالم بأسره.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك