الاقتصاد المغربي تحت المجهر..طبقات مسحوقة وحكومة المال تغض الطرف

الاقتصاد المغربي تحت المجهر..طبقات مسحوقة وحكومة المال تغض الطرف
اقتصاد / السبت 17 مايو 2025 - 23:30 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

في ظل سياق اقتصادي دولي متقلب، يعيش المغرب على وقع أزمة اقتصادية خانقة تتزايد حدّتها يوما بعد يوم، بينما تتعمق الفجوة بين واقع الأسر المغربية، خاصة الطبقات الهشة والمتوسطة، وخطابات حكومة عزيز أخنوش التي توصف أكثر فأكثر بـ"حكومة رجال الأعمال".

ومع تراجع القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتدهور جودة الخدمات الاجتماعية، يجد ملايين المواطنين أنفسهم في مواجهة يومية مع الغلاء، دون أن تلوح في الأفق بوادر حلول ملموسة.

أزمة معيشية خانقة: الأرقام لا ترحم

منذ بداية 2023 ومرورًا بالأشهر الأولى من سنة 2025، سجّل مؤشر الأسعار ارتفاعات غير مسبوقة في عدد من المواد الحيوية، على رأسها الوقود، والزيوت، والحليب، والخضر، بل وحتى المواد المدعمة تقليديا لم تسلم من الزيادات. وبحسب تقارير رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فإن نسبة التضخم استقرت في حدود 5.2% بداية سنة 2025، وهي نسبة تنعكس مباشرة على جيوب الأسر التي تستهلك معظم مدخولها في الغذاء والسكن والنقل.

في الوقت نفسه، ظلت الأجور شبه مجمّدة، ولم تشهد أية مراجعة تتماشى مع ارتفاع تكاليف العيش، باستثناء زيادات محتشمة في بعض القطاعات، لا تتجاوز في معظمها 500 درهم، في حين أن متوسط المصاريف الشهرية للعائلات تضاعف في السنوات الثلاث الأخيرة. أما الطبقة المتوسطة، التي كانت في وقت سابق تُعتبر محرّكًا للاستهلاك والاستقرار، فقد دخلت عمليًا دائرة الهشاشة، بعدما تقلصت قدرتها على الادخار، والسفر، والاستثمار في التعليم أو التطبيب الخاص.

حكومة رأس المال أم حكومة الشعب؟

يواجه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اتهامات متزايدة بتغليب منطق المقاولة على منطق الدولة، بالنظر إلى خلفيته كرجل أعمال كبير، ومساهم رئيسي في عدد من الشركات الناشطة في القطاعات الحساسة مثل المحروقات والفلاحة. ورغم تعهده المتكرر بـ"تحقيق دولة اجتماعية"، إلا أن السياسات العمومية المتبعة تصب، بحسب مراقبين، في مصلحة الشركات الكبرى أكثر من الطبقات الكادحة.

وتطرح المعارضة، وكذلك عدد من الفاعلين في المجتمع المدني، أسئلة مشروعة حول تضارب المصالح، والتأخر في تفعيل إجراءات دعم الأسر المتضررة، بينما تُمنح تسهيلات ضريبية وتراخيص ضخمة لفائدة المجموعات الاقتصادية الكبرى. كما أن برامج الدعم الاجتماعي، مثل "أوراش" و"فرصة"، ورغم الجهد الظاهر فيها، تبقى غير كافية لمعالجة الاختلالات البنيوية في سوق الشغل، ولا تمثل بديلاً حقيقياً عن غياب استراتيجية شاملة لمواجهة الفقر والبطالة.

التعليم والصحة..نزيف بلا توقف

في الميدان الاجتماعي، لا يختلف الأمر كثيرًا، حيث تعاني قطاعات التعليم والصحة من ضعف التمويل وغياب الإصلاح الحقيقي. ففي الوقت الذي تراكم فيه الأسر مصاريف ضخمة لضمان تعليم أبنائها في المدارس الخاصة، تتدهور أوضاع المدرسة العمومية. أما الصحة، فتعيش أزمة بنيوية، حيث تعاني المستشفيات من الاكتظاظ ونقص الأدوية، وضعف الأطر، بينما تتجه الحكومة نحو "تفويت تدريجي" للخدمات الصحية للقطاع الخاص، دون ضمان عدالة في الولوج.

ورغم حديث الحكومة عن تعميم الحماية الاجتماعية والتأمين الإجباري عن المرض، فإن نسبة مهمة من المواطنين لا تزال تجد صعوبة في الاستفادة الفعلية من هذه التغطية، إما بسبب تعقيد المساطر أو ضعف الخدمات.

الغلاء يطارد المغاربة: من السوق إلى الفاتورة

لم تعد الأسواق الشعبية وحدها مسرحا لاحتقان المواطنين بسبب الغلاء، بل امتد الأمر إلى احتجاجات متفرقة في مناطق عدة، تطالب بتدخل الدولة لكبح الأسعار، خصوصًا في المواد الغذائية الأساسية. كما ارتفعت أصوات تنتقد شركات توزيع المحروقات التي راكمت أرباحًا قياسية، في مقابل أسعار مرهقة للمواطنين في غياب الدعم أو تقنين الأسعار.

وتتزامن هذه الأزمة مع ضعف الأثر المباشر للسياسات العمومية على الحياة اليومية، حيث يشعر المواطن البسيط بأن الحكومة تتحدث بلغة الأرقام والمخططات، بينما هو غارق في معركة البقاء بين مصاريف الكراء، وفواتير الماء والكهرباء، ومصاريف الأبناء، وأسعار السوق.

أصوات ترتفع...ولكن من يسمع؟

رغم الانتقادات الحادة الموجهة لحكومة أخنوش، فإن البرلمان لم يشهد بعد نقاشا صريحا وشجاعًا حول مآل النموذج الاقتصادي المغربي، أو سبل إنقاذ الطبقات المتضررة من الركود والتضخم. ويبدو أن القوى السياسية منشغلة بالاستعدادات المبكرة لانتخابات 2026، أكثر من انشغالها بالأجوبة الواقعية على معاناة المواطن.

أما النقابات، وعلى رأسها الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فقد دعت أكثر من مرة إلى تحسين الأجور وتفعيل العدالة الاجتماعية، لكن تأثيرها ظل محدودًا في ظل غياب حوار اجتماعي فعّال، وبطء تنفيذ الوعود الحكومية.

هل من أفق للخروج من الأزمة؟

رغم الصورة القاتمة، يؤكد عدد من الخبراء أن المغرب لا يزال قادرًا على تعديل بوصلته الاقتصادية، بشرط مراجعة السياسات الجبائية، وتحقيق عدالة ضريبية، والحد من الريع، وربط الدعم العمومي بنتائج حقيقية، واستثمار الإمكانيات الكبرى للبلاد في الطاقات المتجددة، والصناعة، والفلاحة الذكية.

كما أن تفعيل حقيقي لمبادئ الحكامة، والقطع مع منطق الامتيازات، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، تمثل حلولًا حقيقية لبناء اقتصاد وطني يخدم الجميع، لا فقط من يملكون رأس المال والسلطة.

ويبقى السؤال المفتوح: هل تملك حكومة أخنوش الشجاعة السياسية لإعادة توجيه المسار؟ أم أن منطق المال سينتصر مجددًا على منطق الإنصاف الاجتماعي؟

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك