أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
أعاد الزميل حميد المهداوي تفجير واحدة من أكبر فضائح التنظيم الذاتي للصحافة بالمغرب، بعدما نشر فيديو يوثق لمقتطفات من اجتماع لجنة الأخلاقيات داخل ما يُسمى بـ“اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر”، في لحظة وُصفت بأنها أقرب إلى جلسة إعدام مهني منه إلى مسطرة تأديبية يفترض أن تحكمها قواعد الشفافية والحياد.
التسريب الذي خرج للعلن لم يكن مجرد خطأ إداري، بل صفعة أخلاقية كشفت الطريقة التي تُدار بها مؤسسة كان يُفترض أن تحمي حرية الصحافة، فإذا بها ـ حسب ما ظهر في الفيديو ـ تتحول إلى أداة لتصفية الحسابات مع الأصوات المزعجة.
المهداوي في مواجهة “آلة قمع مهنية”
ما أثار الجدل أكثر هو محاولة ذبح المهداوي مهنياً داخل اجتماع يُفترض أنه مؤسساتي، بحضور رئيس اللجنة المؤقتة، يونس مجاهد، الذي ظهر وكأنه يمنح الغطاء “المؤسساتي” لقرار جاهز، بعيد كل البعد عن المساطر القانونية والأخلاقية.
الصور المسرّبة تكشف أسلوباً أقرب إلى “المحاكمة السياسية”، حيث بدا واضحاً أن الهدف لم يكن نقاش خروقات مهنية، بل إسكات صوت صحافي مشاغب أربك حسابات لوبيات تتحكم في المشهد الإعلامي.
لجنة انتهت صلاحيتها وما زالت تصدر بلاغات!
الفضيحة لم تتوقف عند مضمون الفيديو، بل انفجرت أكثر بعد صدور بلاغ رسمي باسم “اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر”، رغم أن هذه اللجنة استكملت ولايتها القانونية المحددة في سنتين مع بداية أكتوبر الماضي.
قانونياً، هذا يعني شيئاً واحداً:اللجنة انتهت. صلاحياتها انتهت. وجودها المؤسسي انتهى.
ومع ذلك، تواصل هذه الجهة إصدار بلاغات والقيام بمهام تنظيمية وكأن شيئاً لم يحدث، وهو ما يطرح سؤالاً خطيراً:
ما الأساس القانوني الذي يتيح لأعضاء لجنة انتهت ولايتهم الولوج إلى مؤسسة التنظيم الذاتي؟
هل نحن أمام “انتحال صفة” مؤسساتية؟
الواقع أن البلاغ الصادر باسم “اللجنة المؤقتة” يفتح الباب للتساؤل حول إمكانية اعتباره شكلاً من أشكال انتحال الصفة أو ممارسة اختصاصات بدون أي سند قانوني، خاصة أن صفة العضوية نفسها لم تعد قائمة، ما يجعل أي قرار أو بلاغ موقع باسمها مجرد ورقة بلا قيمة قانونية.
هذا الوضع يضرب في العمق مبدأ دولة المؤسسات، لأن استمرار جهة منتهية الصلاحية في اتخاذ قرارات يعيدنا إلى منطق التحكم والهيمنة بدل احترام القانون والمشروعية.
من المستفيد من التسريب؟ سؤال يحاصر الجميع
رغم أن التسريب فضح أسلوب تدبير الملف، إلا أنه يكشف أيضاً عن صراع داخلي، فهناك جهة داخل المؤسسة رافضة للمنهج القمعي وترغب في فضح ما يجري، أو جهة أخرى تستغل التسريب للضغط وتصفية حسابات داخلية أكبر.
بغض النظر عن الجهة، فإن ما وقع يؤكد أن مؤسسة التنظيم الذاتي للصحافة تحولت إلى أداة فوق القانون، تتحكم فيها شبكة صغيرة من الأسماء نفسها التي تُعيد إنتاج السلطة داخل القطاع.
انهيار آخر لما تبقى من مصداقية “التنظيم الذاتي”
هذه الفضيحة جاءت لتجهز على ما تبقى من ثقة مهنيي الصحافة في جهاز كان يجب أن يكون مستقلاً، فإذا به يتحول إلى منصة لضرب الصحافيين غير المرغوب فيهم.
فالقضية تتجاوز شخص المهداوي، وتتجاوز التسريب، وتطرح سؤالاً جوهرياً:كيف يمكن لمؤسسة فقدت شرعيتها القانونية والأخلاقية أن تستمر في التحكم بمصائر الصحافيين؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك