كيف أحكمت الدولة قبضتها على الحقل الإعلامي بالمغرب؟..من دعم الصحافيين إلى تفصيل القوانين على مقاس أسماء محسوبة على الأجهزة والسيطرة على المجلس الوطني

كيف أحكمت الدولة قبضتها على الحقل الإعلامي بالمغرب؟..من دعم الصحافيين إلى تفصيل القوانين على مقاس أسماء محسوبة على الأجهزة والسيطرة على المجلس الوطني
ديكريبتاج / الجمعة 14 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر

منذ جائحة كورونا، عرف المشهد الإعلامي بالمغرب تحوّلاً عميقاً، لم يكن وليد نقاش عمومي أو إصلاح وطني، بل نتيجة مسار مُحكم قادته الدولة عبر أدوات مالية وقانونية وتنظيمية، انتهى إلى وضع غير مسبوق حتى بالمقارنة مع الأنظمة الشمولية التقليدية. فالدعم العمومي، الذي كان يُفترض أن يكون أداة لحماية الصحافة من الانهيار خلال الجائحة، تحوّل إلى آلية هيمنة واسعة تُستخدم اليوم لتوجيه الخط التحريري للمؤسسات، والتحكم في مصير الصحافيين، وإغلاق المجال أمام أي صوت مستقل أو ناقد.

دعم مالي ولكن بشروط الدولة

مع بداية جائحة كورونا، وجدت مؤسسات إعلامية كثيرة نفسها على حافة الإفلاس، فبادرت الحكومة إلى إطلاق برنامج دعم موسع شمل أداء جزء من رواتب الصحافيين وتقوية ميزانيات التسيير. لكن سرعان ما اتضح أن هذا التدخل المالي لم يكن بريئاً ولا محايداً.

مصادر من داخل أكثر من مؤسسة إعلامية تؤكد أن الدعم مشروط بشكل غير معلن بعدم انتقاد الحكومة أو المؤسسات السيادية، وأن أي انزياح عن هذا التوافق يؤدي إلى سحب الدعم، أو تأخيره، أو تقليصه بشكل كبير. وهكذا أصبح الدعم العمومي أشبه بـ “حبل نجاة” تتحكم الدولة في مسكه وفكه.

في مقابل ذلك، وجد صحافيون كثر أنفسهم “موظفين غير مباشرين” لدى الدولة، بما أن جزءاً من رواتبهم يأتي منها. وضعٌ غير مسبوق حتى لدى الأنظمة السلطوية الكلاسيكية، حيث تتحول وسائل الإعلام إلى شبه إدارات عامة دون إعلان رسمي.

الصحافيون المستقلون خارج اللعبة

أصحاب الأقلام التي اختارت “التغريد خارج سرب الدولة” أصبحوا يدفعون ثمن استقلاليتهم، فعدة أسماء تعرضت لسحب البطاقة المهنية أو رفض تجديدها، وهي خطوة كافية لخنق أي صحافي، بما أن امتلاك البطاقة شرط أساسي لممارسة المهنة والحصول على الإشهار والاعتراف القانوني.

الأخطر هو أن الصحافي الذي يكتب خارج الخط الرسمي أصبح مهدداً في مصدر رزقه وإشهار موقعه، وقد يجد نفسه متابعاً قضائياً تحت طائلة قوانين فضفاضة تتراوح بين “نشر أخبار كاذبة” و“المس بالمؤسسات”، وهي تهم جاهزة تستعمل لتأديب كل من لا ينضبط.

في وقت تطورت فيه الأمور بشكل خطير، وصلت إلى حد فبركة تهم مجانية وغير مقبولة منطقيا، في حق العديد من الصحافيين المستقلين..فمن التهم الجنسية مرورا بالسكر والاعتداء على الموظفين ورجال السلطة وصولا إلى المخدرات...

الدولة تسير نحو وضع اليد على المجلس الوطني للصحافة

بينما يعيش الحقل الإعلامي حالة خضوع مالي شبيه بالاحتواء، تتحرك الدولة على مستوى آخر أكثر حساسية: المجلس الوطني للصحافة، الجهاز المفترض أن يكون مستقلاً عن كل السلط.

مشروع القوانين الذي تقوده الحكومة حالياً يُنظر إليه داخل الوسط الصحافي باعتباره محاولة واضحة لتفصيل مسطرة انتخابية وتنظيمية على مقاس أسماء محسوبة بشكل كامل على أجهزة أمنية واستخباراتية معروفة. هذه الأسماء يتم إعدادها منذ مدة لتولي قيادة المجلس وضمان التحكم في قراراته وتأديبه وتراخيصه وتوجهاته.

وجود مجلس وطني للصحافة تحت النفوذ المباشر للدولة يعني عملياً نهاية أي استقلالية للمهنة، بما أن المجلس يتحكم في:

منح وتجديد وسحب البطاقة المهنية

تتبع الشكايات والملفات التأديبية

المصادقة على دفاتر التحملات والتكوينات

الوساطة بين الدولة والمؤسسات الإعلامية

وبذلك تصبح السيطرة على المجلس بمثابة السيطرة على “مفاتيح” المهنة نفسها.

احتكار الإشهار..السلاح الأهم

إلى جانب الدعم والقوانين، تواصل الدولة عبر شركات كبرى ومؤسسات عمومية التحكم في سوق الإشهار، الذي يشكل شريان حياة أغلب الصحف والمواقع. فالإشهار العمومي يُمنح حصراً لوسائل إعلام "مطيعة"، بينما تُعاقب المنابر المزعجة بالحرمان الكامل.

هذا الشكل غير المعلن من العقاب الاقتصادي أقوى من أي متابعة قضائية، لأن إغلاق صنبور الإشهار كفيل بخنق أي وسيلة إعلامية خلال أشهر معدودة.

نحو مشهد إعلامي أحادي

المزيج بين الدعم المالي المشروط، التحكم في الإشهار، الضغط القضائي، والتحضير للسيطرة على المجلس الوطني للصحافة، يخلق بيئة إعلامية أحادية الاتجاه، تُقصي المهنة من دورها الرقابي وتحولها إلى امتداد لخطاب الدولة.


اليوم، لم يعد الخوف يقتصر على حرية الصحافي، بل امتد إلى مستقبل الصحافة كمهنة وكمؤسسة وكسلطة مضادة. فالمشهد يتجه نحو احتكار شامل للكلمة والقرار والمعلومة، في وقت تعيش فيه البلاد توترات اجتماعية واقتصادية تتطلب إعلاماً قوياً، لا إعلاماً مروضاً.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك