أنتلجنسيا:ياسر اروين
بعد مرور خمس سنوات على توقيع الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، تكشف معطيات تقرير تقني مفصل عن انتقال مسار التطبيع بين الرباط وتل أبيب من خطوة دبلوماسية محدودة إلى تغلغل عميق شمل قطاعات استراتيجية وحساسة داخل الدولة المغربية، في سياق إقليمي متوتر ووسط اعتراض شعبي متصاعد، خصوصا مع استمرار الحرب على غزة.
التقرير، الصادر عن حملة “قاطع” والموثق للفترة الممتدة بين 2020 و2025، يرصد توسعا غير مسبوق في العلاقات الاقتصادية، حيث قفز حجم المبادلات التجارية من مستويات هامشية قبل التطبيع إلى عشرات ملايين الدولارات سنويا، مسجلا نموا متواصلا حتى في ذروة العدوان الإسرائيلي على القطاع. كما أبرز التقرير دخول شركات إسرائيلية متعددة إلى السوق المغربية عبر استثمارات مباشرة وشراكات صناعية، خصوصا في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة الذكية.
وفي المجال الفلاحي، يكشف التقرير عن سيطرة شبه كاملة لشركات إسرائيلية على مدخلات استراتيجية، من البذور إلى أنظمة الري، إلى جانب استثمارات مباشرة في الإنتاج الزراعي وتوقيع اتفاقيات رسمية للتعاون في تدبير المياه والزراعة المائية. أما في قطاع الطاقة، فقد امتد التعاون ليشمل مشاريع كبرى في الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة والغاز الطبيعي، مع منح شركات إسرائيلية حصصا وازنة في رخص استغلال بحرية قبالة السواحل المغربية.
وعلى المستوى العلمي والتكنولوجي، تحولت مؤسسات جامعية مغربية إلى منصات تعاون أكاديمي مع مراكز بحث إسرائيلية في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة، بالتوازي مع توقيع اتفاقيات تتعلق بتبادل الخبرات وتطوير أنظمة رقمية حساسة. غير أن أخطر ما يرصده التقرير يهم التعاون العسكري والأمني، الذي وُصف بالأعمق والأكثر حساسية، حيث جرى توقيع اتفاق دفاعي رسمي شمل تبادل المعلومات الاستخباراتية وتطوير الصناعات العسكرية، مع إبرام صفقات سلاح بمليارات الدولارات والعمل على إنشاء بنيات لوجستيكية عسكرية داخل المغرب.
كما شمل التطبيع المجال الجوي والسياحي بفتح خطوط طيران مباشرة وتدفق أعداد كبيرة من السياح، قبل أن تتأثر هذه الحركة جزئيا بفعل التطورات الأمنية المرتبطة بالحرب على غزة. وعلى الصعيد الدبلوماسي، انتقلت العلاقات إلى مستوى التمثيل الكامل بعد إعلان متبادل للمواقف بشأن ملف الصحراء، مع تسجيل تنسيق سياسي متزايد داخل المنتديات الدولية.
وسجل التقرير في المقابل تصاعد ما سماه بـ“التطبيع الناعم”، عبر استثمار الذاكرة اليهودية المغربية في الثقافة والتعليم والسياحة، ورصد ميزانيات لإعادة تأهيل مواقع تراثية وتنظيم أنشطة فنية وبرامج إعلامية تروج لخطاب الذاكرة المشتركة، في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات الشعبية الرافضة للتطبيع في عدد من المدن المغربية.
ويخلص التقرير إلى أن ما تحقق خلال خمس سنوات يتجاوز بكثير منطق الاتفاق الدبلوماسي، ليعكس مسارا بنيويا يعيد رسم جزء من الخيارات الاستراتيجية للمغرب، ويطرح أسئلة ثقيلة حول السيادة والقرار الوطني وكلفة هذا التوجه سياسيا وأخلاقيا، في ظل فجوة متزايدة بين السياسات الرسمية والمزاج الشعبي العام.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك