
أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
تحوّلت عطلة الصيف لدى آلاف الأسر
المغربية إلى مجرد ذكرى عابرة أو حلم مؤجل، بعدما لامس الغلاء مستويات غير مسبوقة
جعلت من السفر والاستجمام رفاهية مستحيلة. في المدن كما في القرى، تكرر المشهد
ذاته: أسر محاصرة بين تكاليف المعيشة المرتفعة، وأسعار النقل والإقامة التي انفجرت
بشكل صاروخي، ما جعل صيف 2025 الأكثر قسوة منذ سنوات.
الأسواق، المقاهي، محطات النقل، وحتى
الشواطئ، تشهد حضورًا باهتًا يعكس واقعًا مريرًا اختنق فيه المواطن البسيط تحت
وطأة غلاء لا يرحم. فأسعار كراء الشقق والفنادق ارتفعت بنسبة خيالية، وأسعار
المحروقات التهمت ميزانيات الأسر حتى قبل أن تُحضَّر حقائب السفر، ناهيك عن كلفة
الطعام والترفيه التي أصبحت فوق طاقة الموظف والعامل البسيط.
المفارقة القاسية أن هذه الأزمة تضرب
في صيف يُفترض أنه فسحة استراحة ونقاهة بعد عام طويل من العمل والدراسة، لكن
الواقع أن أغلب المواطنين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى قضاء عطلتهم في المنازل، أو في
أحسن الأحوال، الاكتفاء برحلات قصيرة ليوم واحد، ودون مصاريف إضافية.
كل هذا يحدث في ظل استمرار الحكومة،
برئاسة عزيز أخنوش، في إطلاق وعود وردية تتحدث عن تحسين القدرة الشرائية وتحفيز
الطبقة المتوسطة، فيما الواقع يسير في اتجاه معاكس تمامًا، ويكشف عن هوة سحيقة بين
الشعارات المرفوعة واحتياجات الناس على الأرض.
الطبقة المتوسطة، التي كانت تشكل
الدينامو الحقيقي للاستهلاك والتنشيط الاقتصادي، باتت تتآكل عامًا بعد آخر، ولم
تعد قادرة على مواجهة الغلاء وحدها. الموظفون الصغار، المتقاعدون، وحتى بعض أصحاب
المهن الحرة، باتوا عاجزين عن مجاراة إيقاع الأسعار، ما جعلهم في خانة المستضعفين
في مجتمع يُفترض أنه يسعى إلى العدالة الاجتماعية.
المؤلم أكثر، أن هذه الأزمة لا تجد
صدى حقيقيًا في السياسات العمومية، وكأن الحكومة تعيش في برج عاجي، بعيدًا عن
معاناة الناس في الأحياء والأسواق ومحطات القطار. فلا إجراءات حقيقية لكبح الغلاء،
ولا قرارات جريئة لدعم الأسر أو تقليص الفوارق، بل مجرد تصريحات متكررة تفتقر لأي
تأثير ملموس.
هكذا، لم يعد الصيف مجرد فصل من فصول
السنة، بل أصبح مرآة تعكس حجم الانفصام بين وعود الحكومة وواقع المواطنين. ومع كل
عطلة تمر، تتزايد الهوة، ويتعمق الإحساس بالحيف، في انتظار صيفٍ قادم... قد يكون
أقل قسوة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك