المغرب والاتحاد الأوروبي نحو شراكة شاملة جديدة تتمحور حول الهجرة والتنمية وتحولات استراتيجية تفرض واقعًا جديدً

المغرب والاتحاد الأوروبي نحو شراكة شاملة جديدة تتمحور حول الهجرة والتنمية وتحولات استراتيجية تفرض واقعًا جديدً
ديكريبتاج / الأحد 20 يوليو 2025 - 03:49 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

تعيش العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي منعطفًا استراتيجيًا، عنوانه الأبرز هو: "إعادة رسم معالم التعاون في ملفي الهجرة والتنمية".

ففي ظل التحديات المتنامية التي تواجه القارة العجوز على مستوى الهجرة غير النظامية، والتحولات الجيوسياسية بشمال إفريقيا والساحل، بات واضحًا أن المغرب لم يعد مجرد بلد عبور، بل شريك إقليمي أساسي في إدارة ملفات الهجرة والتنمية الاقتصادية المشتركة.

شراكة غير متوازنة.. الماضي يفرض مراجعة

لسنوات، ظلت العلاقة بين الرباط وبروكسيل قائمة على معادلة غير متوازنة: دعم مالي محدود مقابل أدوار أمنية كبيرة يلعبها المغرب في ضبط الحدود والتصدي لشبكات التهريب.

لكن مع تصاعد ضغط الهجرة على أوروبا، خصوصًا بعد أزمات الساحل وليبيا، أدرك الأوروبيون أن المغرب يملك مفاتيح الاستقرار الإقليمي، وأنه لا يمكن التعامل معه بمنطق "الامتثال مقابل المنح"، بل بمنطق "الشراكة المتكافئة".

خارطة طريق جديدة: من الأمن إلى التنمية

الوثائق الأولية للتفاهم الجديد، التي بدأ النقاش حولها في لقاءات رفيعة بين الجانبين، تشير إلى توجه واضح نحو إعادة تموقع أهداف الشراكة، لتشمل:

دعم المشاريع التنموية في مناطق الانطلاق والعبور (خصوصًا شمال وجنوب المغرب)

تحفيز الاستثمار الأوروبي المباشر بالمملكة

دعم المبادرات الشبابية ومشاريع الاقتصاد الأخضر

التكوين المهني وتسهيل التنقل القانوني للكفاءات المغربية

هذا التوجه يُفهم على أنه خروج تدريجي من المقاربة الأمنية الصرفة التي حكمت التعاون طويلاً.

الهجرة.. من تهديد إلى فرصة

في هذا السياق، يسعى المغرب إلى تغيير النظرة الأوروبية للمهاجر المغربي، من "مهاجر غير نظامي" إلى "طاقة بشرية وكفاءة قابلة للإدماج المنتج".

الهدف هو فتح قنوات قانونية ومنظمة للهجرة، تعود بالنفع على الطرفين، عوض ترك المجال لشبكات التهريب والعصابات المنظمة.

الجانب الأوروبي: دعم مشروط بالمزيد من التنسيق

من جانب الاتحاد الأوروبي، فإن أي شراكة جديدة ستبقى مرتبطة بعدة شروط أبرزها:

تحكم صارم في المعابر الحدودية، خصوصًا نحو سبتة ومليلية

إعادة قبول المهاجرين غير النظاميين الذين يتم ترحيلهم من أوروبا

انخراط مغربي أكبر في التنسيق الاستخباراتي ومكافحة الجريمة العابرة للحدود

غير أن الرباط تُصرّ على أن هذه الالتزامات لا يمكن فصلها عن دعم ملموس للتنمية المندمجة في المناطق الهشة.

هل نحن أمام "ناتو تنموي-هجري"؟

هناك من يصف هذه الشراكة الجديدة بكونها نواة لتحالف أوروبي-مغاربي في إدارة الأزمات، شبيه بحلف "ناتو إنساني" مخصص للهجرة والتنمية.

وقد دعا بعض الخبراء إلى تحويل التعاون الثنائي إلى إطار مؤسساتي موسع، يُشبه "مجلس تعاون أورو-مغاربي"، يكون المغرب أحد أركانه.

الدبلوماسية المغربية.. هدوء واقعي مع ثبات المواقف

في هذا الملف، اعتمدت الرباط دبلوماسية هادئة ولكن حازمة. فقد رفضت مرارًا استخدام ورقة الهجرة كأداة للضغط، وأكدت أن أي تعاون يجب أن يكون منسجمًا مع السيادة الوطنية وخدمة للمصالح المشتركة، خصوصًا في ظل التوترات المتقطعة التي عرفتها العلاقة مع دول أوروبية معينة.

المستقبل.. اختبار النوايا

بين التصريحات الوردية والاتفاقات المؤقتة، يبقى تنزيل هذه الشراكة الجديدة على أرض الواقع هو التحدي الحقيقي.

فهل ستُترجم الأقوال إلى أفعال؟ وهل سيكون لدى الطرف الأوروبي الإرادة السياسية والمالية الكافية للانتقال من منطق "الحماية" إلى منطق "التنمية"؟

ختاما، فالشراكة المغربية-الأوروبية تدخل مرحلة حساسة، عنوانها توازن جديد في المصالح والالتزامات.

وإذا ما تم تدبير هذه التحولات بذكاء سياسي وواقعية اقتصادية، فإن المغرب يمكن أن يتحول إلى نموذج قارّي في تسيير ملفات الهجرة والتنمية بشكل تكاملي ومتوازن.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك