الواقع المغربي يدق ناقوس الخطر وحرارة الأرض ترتفع..فهل نحن مستعدون لزمن الصدمات؟

الواقع المغربي يدق ناقوس الخطر وحرارة الأرض ترتفع..فهل نحن مستعدون لزمن الصدمات؟
ديكريبتاج / الثلاثاء 01 يوليو 2025 - 22:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

ما نعيشه اليوم من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة لم يعد مجرد ظاهرة موسمية أو طارئ مناخي محدود الأثر، بل هو إنذار صارخ بمرحلة جديدة تعيشها الأرض، تُنذر بما هو أعمق وأخطر.

فالتغير المناخي لم يعد مجرد نقاش بيئي بين العلماء والمختصين، بل تحول إلى تهديد شامل يتجاوز الجانب البيئي ليضرب في العمق كل ركائز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي.

الظواهر المتكررة من جفاف شديد، فيضانات غير مسبوقة، عواصف مدمرة، وموجات حر قاتلة، لم تعد استثناء، بل باتت القاعدة الجديدة في مناخ مضطرب لا يرحم.

صدمات مناخية متواترة... و"معجزات" النمو على المحك

في ظل هذا الواقع، تزداد المخاوف من أن صدمات المناخ المتكررة ستجعل من الصعب، بل من شبه المستحيل، الحفاظ على فترات طويلة من النمو الاقتصادي المستدام، أو تحقيق "معجزات" تنموية كتلك التي عاشها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين. كل أزمة مناخية جديدة تعني خسائر في المحاصيل، اضطرابات في سلاسل التوريد، نزوح آلاف الأشخاص، ضغوط هائلة على الموارد الطبيعية، وتكاليف متزايدة على ميزانيات الدول، خصوصًا تلك التي لا تملك شبكات أمان اجتماعي أو بنى تحتية مرنة.

هذا الوضع يضع الدول النامية، ومنها المغرب، أمام تحديات متداخلة: الحفاظ على وتيرة الإصلاح الاقتصادي، مجابهة تحديات العجز المالي، والاستعداد لصدمات مناخية غير قابلة للتنبؤ. فكيف يمكن الحديث عن إقلاع اقتصادي أو عدالة مجالية أو تنمية مستدامة في ظل تغير مناخي يضرب في العمق سلاسل الإنتاج والبنيات الأساسية؟

الواقع المغربي... مؤشرات تدق ناقوس الخطر

في المغرب، أصبحت تبعات التغير المناخي ملموسة ومؤلمة. سنوات الجفاف المتعاقبة أنهكت الاحتياطات المائية، وأثّرت على الإنتاج الفلاحي، ورفعت كلفة التزود بالماء الصالح للشرب، خاصة في المناطق الداخلية والجنوبية. الفيضانات المفاجئة، التي تضرب في بعض الأحيان المدن الكبرى، تُظهر ضعف البنيات التحتية أمام التقلبات المناخية العنيفة. ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير معهودة، يزداد الضغط على المنظومة الصحية، وعلى الشبكة الكهربائية، وعلى القدرة الشرائية للأسر، خصوصًا في فترات الذروة.

ورغم أن المغرب يُعد من البلدان الرائدة في مشاريع الطاقات المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية والريحية، فإن ذلك وحده لا يكفي لمواجهة طوفان التحديات التي تفرضها أزمة المناخ. فالتحول الأخضر يجب أن يشمل الفلاحة، التخطيط الحضري، الصناعة، النقل، التعليم، والوعي المجتمعي، وليس فقط قطاع الطاقة.

بين الخطر والفرصة... خيار الصمود والتكيف

ورغم كل هذه المظاهر المقلقة، فإن هناك جانبًا إيجابيًا يجب التمسك به: لدينا، كمجتمعات وكمؤسسات، إمكانات حقيقية للتصدي والصمود. المطلوب اليوم ليس فقط الاعتراف بخطورة الأزمة، بل التعامل معها كفرصة لإعادة تشكيل الأولويات الاقتصادية والاجتماعية. فبإمكان المغرب، بفضل موقعه الجغرافي، وخبرته المتراكمة في مجال الطاقات المتجددة، وموارده البشرية الشابة، أن يكون نموذجًا في التكيف المناخي، بدل أن يكون ضحية له.

الفرص متاحة: توجيه الاستثمارات نحو الاقتصاد الأخضر، تطوير الزراعة الذكية المقاومة للجفاف، اعتماد البنايات المستدامة، توسيع نطاق التأمين ضد الكوارث، ودمج التغير المناخي في السياسات العمومية الوطنية والمحلية. ولكن هذه الفرص لن تتحقق ما لم تقترن بإرادة سياسية واضحة، وتعبئة مجتمعية واسعة، ومقاربة استباقية بدل المقاربة التفاعلية التقليدية التي تنتظر حدوث الكارثة لتبدأ في الحساب.

الاستعداد لمستقبل لا يشبه الماضي

ما يُنتظر ليس فقط التكيف مع المناخ، بل التكيّف مع عالم متغير بالكامل، تتسارع فيه الأزمات وتزداد هشاشته الاقتصادية والاجتماعية. إذا لم يتم التعامل مع هذا التحدي كأولوية وطنية عاجلة، فإننا سنواجه مستقبلاً يسوده اللايقين، حيث تصبح كل أزمة مناخية بوابة لأزمة اقتصادية أو اجتماعية أعمق.

المطلوب اليوم إذن ليس فقط التخفيف من آثار التغير المناخي، بل التحول إلى دولة مستعدة لزمن الصدمات، تستثمر في المستقبل وتخطط لمواجهة اللامتوقع، برؤية استراتيجية تضمن للأجيال القادمة حقها في بيئة آمنة، واقتصاد resilient، ومجتمع متماسك.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك