أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في ظل تحديات اقتصادية متصاعدة داخلياً وخارجياً، كشف مكتب الصرف عن أرقام مثيرة للقلق بشأن أداء التجارة الخارجية للمملكة خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2025.
فبحسب التقرير الشهري حول المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية لشهر أبريل، بلغ العجز التجاري المغربي 108,94 مليار درهم، مسجلاً بذلك ارتفاعاً بنسبة 22,8% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات الهيكلية وتدبير التوازنات الكبرى.
واردات ترتفع بوتيرة أسرع من الصادرات
أوضح التقرير أن هذا التفاقم في العجز يرجع بالأساس إلى الارتفاع الكبير في قيمة الواردات، التي بلغت 263,02 مليار درهم، أي بزيادة 9,1%، في حين أن الصادرات لم ترتفع سوى بنسبة 1,2% لتستقر عند 154,08 مليار درهم فقط.
هذا الفارق أدى إلى تراجع معدل التغطية التجارية إلى 58,6%، أي بانخفاض بلغ 4,6 نقاط مئوية مقارنة بالسنة الماضية، وهو ما يعني أن المغرب أصبح يعتمد بشكل أكبر على الخارج لتغطية حاجياته من السلع والخدمات.
ما الذي رفع فاتورة الواردات؟
تفصيلًا، تشير المعطيات إلى أن معظم بنود الواردات سجلت زيادات مقلقة، خصوصًا:
المواد الخام: قفزت بـ 25,4% لتبلغ 13,15 مليار درهم.
المنتجات التجهيزية النهائية: ارتفعت بـ 13,3% إلى 61,8 مليار درهم.
السلع الاستهلاكية النهائية: زادت بـ 11,5% لتصل إلى 61,2 مليار درهم.
المواد الغذائية: صعدت بـ 11,3% إلى 33,46 مليار درهم.
المواد نصف المصنعة: حققت زيادة بـ 7,6% إلى 55,65 مليار درهم.
رغم هذا، فإن فاتورة الطاقة كانت الاستثناء، حيث تراجعت بنسبة 4,9% لتستقر في حدود 37,29 مليار درهم، وهو تراجع يُعزى جزئياً إلى انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية أو تغير بنية الاستهلاك الطاقي بالمملكة.
صادرات تتحسن جزئياً ولكنها لا تكفي
على مستوى الصادرات، ساهمت بعض القطاعات في الحد من تفاقم العجز، وفي مقدمتها:
قطاع صناعة الطيران: سجل نمواً ملحوظاً بـ 14% ليبلغ 9,51 مليار درهم.
الفوسفاط ومشتقاته: عرف تحسناً بـ 12,3% ليصل إلى 27,66 مليار درهم.
الفلاحة والصناعات الغذائية: ارتفعت صادراته بـ 1,4% إلى 35,49 مليار درهم.
لكن هذا التحسن الجزئي لم يكن كافياً لمعادلة تراجع قطاعات رئيسية أخرى، حيث انخفضت صادرات:
الإلكترونيات والكهرباء: بنسبة 7% إلى 5,67 مليار درهم.
قطاع السيارات: بنسبة 7% إلى 49 مليار درهم، وهو تراجع لافت بالنظر إلى الوزن الثقيل لهذا القطاع في صادرات المغرب.
قطاع النسيج والجلد: بنسبة 2,7% إلى 14,8 مليار درهم.
هل نحن أمام أزمة هيكلية أم اختلال ظرفي؟
تطرح هذه المؤشرات تساؤلات حارقة بشأن مستقبل التجارة الخارجية في ظل تباطؤ النمو العالمي واشتداد الضغوط التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة. كما أنها تدق ناقوس الخطر حول ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني، واعتماده المفرط على الاستيراد لتلبية حاجياته، مقابل محدودية قدرته التصديرية، خاصة في القطاعات التي يفترض أن تشكل قاطرة النمو والتقليص من العجز.
وفي ظل هذا الوضع، تبدو الحكومة مدعوة إلى:
تسريع التحول الصناعي وتقوية سلاسل الإنتاج الوطنية.
خفض الفاتورة الغذائية عبر تطوير الأمن الغذائي الوطني.
دعم القطاعات المصدرة وتوسيع أسواقها الخارجية.
تشجيع استبدال الواردات بالإنتاج المحلي متى أمكن ذلك.
أرقام تفرض مراجعة عاجلة للسياسات الاقتصادية
المعطيات الصادرة عن مكتب الصرف في أبريل 2025 ليست مجرد أرقام تقنية، بل تمثل إنذاراً صريحاً بضرورة إعادة التفكير في بنية الاقتصاد الوطني وسلاسل تمويله الخارجي.
فالعجز المتفاقم في الميزان التجاري، إذا استمر بهذه الوتيرة، قد يؤدي إلى ضغوط إضافية على الميزانية واحتياطات العملة الصعبة، وقد يعيق طموحات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السنوات القادمة.
وفي وقت تتحدث فيه الحكومة عن "الإنعاش" و"الإقلاع"، يبدو أن أرقام الواقع تخبرنا بشيء آخر: الاقتصاد المغربي بحاجة إلى إصلاحات شجاعة وعميقة، لا مجرد خطابات مكررة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك