أنتلجنسيا
المغرب:حمان ميقاتي/م.كندا
في خطوة تكاد تُعتبر صفعة مباشرة للهيمنة الغربية في مجال
التكنولوجيا الفضائية، أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية رسميًا تعليق جميع
خدمات نظام تحديد المواقع العالمي الأمريكي (GPS) على أراضيها، وتعويضه بشكل كامل
بمنظومة الملاحة الصينية "بيدو" (BeiDou). هذا التحول، الذي يحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز بكثير الإطار
التقني، يُعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وربما بوابة لتحولات أعمق في
التوازنات الجيوسياسية العالمية.
أكثر من تقنية... موقف
سيادي ضد الاختراق والسيطرة
هذا القرار الإيراني لا يُقرأ في سياقه التكنولوجي فقط، بل
يُفهم في عمقه كخطوة ذات طابع سيادي وأمني. فالنظام الأمريكي GPS لم يكن مجرد خدمة مدنية، بل أداة
استراتيجية للولايات المتحدة، توفر لها قدرة غير مباشرة على تتبع الأجهزة، التحكم
في إشارات المواقع، بل وحتى حجبها أو التشويش عليها وقت الأزمات. وبالتالي، فإن
انسحاب إيران من هذه المنظومة هو إعلان صريح عن:
·
فكّ الارتباط التكنولوجي مع البنية
الغربية التي يعتبرها النظام الإيراني تهديدًا مستترًا لسيادته الوطنية.
·
بناء مظلة معلوماتية مستقلة محصّنة ضد
الاختراقات الأمريكية.
·
تحصين البنية الدفاعية والعسكرية ضد
عمليات التجسس التي قد تتم عبر شبكات الملاحة الأميركية.
"بيدو" الصيني... ليس
مجرد بديل تقني بل ذراع ناعم لطموحات بكين الإمبراطورية
من خلال هذا التحول، تُعبّر إيران أيضًا عن تموضعها الاستراتيجي
إلى جانب الصين، التي لم تعد تخفي نواياها في منافسة واشنطن ليس فقط اقتصاديًا
وعسكريًا، بل أيضًا على صعيد التحكم في الفضاء والمعلومة. نظام "بيدو"،
الذي تطوره الصين منذ سنوات، لم يعد نظامًا محليًا أو بديلًا ثانويًا، بل أصبح
منافسًا شرسًا وموثوقًا لنظيره الأمريكي.
وهكذا، فإن إيران باختيارها "بيدو" لا تكتفي باستبدال
خدمة، بل تدخل بشكل غير مباشر في المحور الآسيوي الذي تقوده الصين، وتضع نفسها في
موقع الشريك الإستراتيجي لمعادلة جديدة تهدد بنية النظام العالمي الأحادي الذي
صاغته واشنطن منذ عقود.
هل هو بداية لتفكك المنظومة
الغربية للملاحة؟
التحول الإيراني يفتح الباب لتساؤلات كبرى حول مستقبل الهيمنة
الغربية في مجال تحديد المواقع والمراقبة الفضائية. هل تُسير دول أخرى على خطى طهران؟
هل تُفتح شهية القوى الإقليمية الأخرى للتخلص من التبعية لأنظمة أمريكية يمكن
التحكم فيها عن بُعد؟ هل يتجه العالم إلى "تعدد أقطاب فضائي" بعدما
بدأنا نشهد "تعدد أقطاب سياسي واقتصادي"؟
ما قامت به إيران ليس مجرد
انسحاب فني من منظومة ملاحة، بل إعلان سياسي ثقيل يُضاف إلى سلسلة رسائلها للغرب:
نحن لا نكتفي بالرد، بل نبني عالمًا موازيًا بعيدًا عن نفوذكم... من الأرض إلى
السماء.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك