أنتلجنسيا المغرب
في خطوة استراتيجية تكشف حجم التحديات التي تواجه النظام الصحي الوطني، أعلن المغرب عن عزمه استقطاب أطباء أجانب من أجل بلوغ هدف طموح يتمثل في توفير 45 مهنيًا صحيًا لكل 10 آلاف مواطن.
الخطوة تأتي في سياق ضغط متزايد تعانيه المؤسسات الصحية في مختلف جهات المملكة، نتيجة النقص الحاد في عدد الأطباء والممرضين، وهجرة الكفاءات، وعدم توازن التوزيع الجغرافي للموارد البشرية.
الوضع الحالي: أرقام تدق ناقوس الخطر
حسب معطيات رسمية صادرة عن وزارة الصحة، لا يتجاوز عدد المهنيين الصحيين في المغرب حاليًا 17 لكل 10 آلاف نسمة، وهو رقم بعيد جدًا عن توصيات منظمة الصحة العالمية التي تُوصي بـما لا يقل عن 44.5 مهنيًا صحيًا لكل 10 آلاف نسمة لضمان خدمات صحية أساسية.
ويبلغ عدد الأطباء الممارسين في المغرب حوالي 32 ألف طبيب فقط، بين القطاعين العام والخاص، في حين تُقدر حاجة البلاد إلى أكثر من 60 ألف طبيب لتغطية الطلب الحالي والمتزايد.
هجرة الأدمغة: مغاربة يعالجون بالخارج وأطباؤهم كذلك
أحد العوامل الرئيسية التي عمّقت الأزمة الصحية في المغرب هو هجرة الأطباء نحو الخارج. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 7000 طبيب مغربي يمارسون حاليًا في أوروبا، خاصة في فرنسا وبلجيكا وكندا، بسبب ظروف العمل الأفضل، والتعويضات المغرية، ونُظم الحماية الاجتماعية.
وفي ظل هذا النزيف المستمر، تجد المستشفيات المغربية صعوبة في ملء المناصب الشاغرة، ما يدفع المسؤولين إلى التفكير خارج الصندوق.
الحل البديل: أطباء من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية
تسعى وزارة الصحة المغربية إلى استقطاب أطباء أجانب من دول إفريقية وآسيوية ولاتينية، وذلك عبر توقيع اتفاقيات تعاون ثنائية، وتسهيل إجراءات معادلة الشهادات، ومنح تراخيص مزاولة المهنة بشكل أسرع.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الأولوية ستُمنح للأطباء القادمين من دول:
السنغال والكوت ديفوار والكاميرون: لروابط التعاون التقليدي والتقارب اللغوي والثقافي.
الهند والفلبين: نظرًا للكفاءات الطبية العالية والرغبة في العمل بالخارج.
كوبا وفنزويلا: حيث تتوفر منظومات طبية تُصدّر الأطباء للخارج بشكل منهجي.
تحديات في الأفق: التكوين، اللغة، والاندماج
رغم أن الخطوة تبدو واعدة من الناحية التقنية، إلا أنها تُطرح أمامها عدة تحديات:
اللغة والتواصل: أغلب الأطباء الأجانب لا يتحدثون الدارجة أو الأمازيغية، ما قد يُعقّد التواصل مع المرضى.
الاختلافات الثقافية والطبية: طرق التشخيص والعلاج تختلف حسب السياق المحلي.
التكوين المستمر: ضرورة دمج الأطباء الأجانب في دورات تدريبية لفهم النظام الصحي المغربي.
كما يُتخوف من رد فعل النقابات الصحية المغربية، التي طالما طالبت بتحسين أوضاع الأطر المحلية بدل الاعتماد على أطر أجنبية.
رأي الخبراء: حل ظرفي أم بداية استراتيجية طويلة؟
يرى الخبير في السياسات الصحية، الدكتور حمزة الروداني، أن استقطاب أطباء أجانب هو:
"خطوة براغماتية لتخفيف الضغط، لكنها لا يجب أن تُلهينا عن الهدف الأكبر: الاستثمار في تكوين الأطر المحلية وتحسين ظروف اشتغالهم، لأن الحلول المستوردة تبقى ظرفية".
ويضيف أن الوصول إلى عتبة 45 مهنيًا صحيًا لكل 10 آلاف نسمة يتطلب:
مضاعفة الطاقة الاستيعابية لكليات الطب.
تحفيز الأطباء المغاربة في الخارج على العودة.
تحسين الأجور وظروف العمل في المناطق النائية.
بين الواقعية والطموح
بين ضغط الحاجة الصحية وندرة الموارد البشرية، يُراهن المغرب على سياسة هجينة، تجمع بين التكوين الوطني والاستقطاب الدولي، في سبيل تدارك الخصاص المهول في القطاع.
لكن نجاح هذه السياسة يظل مرهونًا بمدى قدرتها على تحقيق التوازن بين الحلول الآنية والإصلاحات الجذرية، لأن الصحة، في نهاية المطاف، ليست فقط أرقامًا... بل كرامة مواطن وجودة حياة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك