أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
تستعد العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، لاحتضان أشغال المؤتمر الوطني الثالث عشر للاتحاد المغربي للشغل، والذي سينعقد أيام 21، 22، 23 فبراير 2025 بالمقر المركزي للاتحاد.
يأتي هذا الحدث البارز تحت شعار "70 عامًا من النضال والوفاء لمبادئ الاتحاد"، وهو ليس مجرد محطة تنظيمية داخل أكبر مركزية نقابية في المغرب، بل لحظة مفصلية لرسم معالم المرحلة المقبلة في سياق اجتماعي واقتصادي، يتسم بالتحولات العميقة والتحديات المتزايدة التي تواجه الطبقة العاملة المغربية.
مؤتمر في زمن التحديات..أي أفق للحركة النقابية؟
انعقاد المؤتمر الثالث عشر للاتحاد المغربي للشغل يأتي في ظل سياق وطني وإقليمي معقد، حيث تعيش الشغيلة المغربية أوضاعًا اجتماعية واقتصادية صعبة بفعل تفاقم غلاء المعيشة، وضعف الأجور، وتراجع المكتسبات النقابية، فضلًا عن تصاعد الجدل حول مشروع قانون الإضراب، الذي تعتبره المركزيات النقابية محاولة لتكبيل حق الإضراب وتقويض العمل النقابي.
كما يتزامن هذا المؤتمر مع استمرار الاحتجاجات العمالية في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والنقل، بالإضافة إلى تصاعد الغضب داخل الأوساط النقابية بسبب تعثر الحوار الاجتماعي وغياب إجراءات حقيقية لتحسين أوضاع العمال. في هذا الإطار، يراهن الاتحاد المغربي للشغل على مؤتمره الثالث عشر لتجديد استراتيجيته النضالية، وإعادة ترتيب الأولويات بما يتماشى مع التحولات المتسارعة في المشهد الاقتصادي والسياسي.
الاتحاد المغربي للشغل.. سبعة عقود من النضال والصمود
منذ تأسيسه سنة 1955، ظل الاتحاد المغربي للشغل فاعلًا محوريًا في الساحة النقابية المغربية، مدافعًا عن حقوق العمال ومطالبًا بتحسين ظروف العمل، سواء خلال مرحلة الاستعمار أو في فترات الأزمات الاقتصادية والسياسية التي عرفها المغرب.
وخلال العقود السبع الماضية، خاضت هذه المركزية النقابية معارك شرسة ضد الحكومات المتعاقبة، وشاركت في إضرابات تاريخية كان لها تأثير كبير في المشهد السياسي والاجتماعي المغربي. ورغم التحولات العميقة التي شهدها الحقل النقابي، حافظ الاتحاد على مكانته كإحدى أقوى النقابات في المغرب، مسجلًا حضورًا قويًا في عدد من القطاعات الاستراتيجية مثل الفلاحة، والصناعة، والخدمات، والتعليم، والصحة، والنقل.
رهانات المؤتمر الثالث عشر.. تجديد الهياكل أم تكريس الاستمرارية؟
يطرح المؤتمر الوطني الثالث عشر مجموعة من التساؤلات حول مستقبل القيادة داخل الاتحاد المغربي للشغل، وهل سيفرز تغييرات على مستوى الهيكلة التنظيمية أم سيكرس الاستمرارية؟ فرغم أن الاتحاد يتميز تاريخيًا بقدرته على الحفاظ على وحدته الداخلية، إلا أن المرحلة الراهنة تفرض عليه البحث عن رؤية جديدة قادرة على التكيف مع المتغيرات، خاصة في ظل تنامي الضغوط الحكومية والتحديات الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر نقاشات ساخنة حول الموقف من الحوار الاجتماعي، وقانون الإضراب، وسبل مواجهة الهشاشة في سوق الشغل، إلى جانب ملفات كبرى مثل إصلاح أنظمة التقاعد، وتحسين القدرة الشرائية للعمال، والتصدي لظاهرة الطرد التعسفي والانتهاكات التي يتعرض لها الأجراء في بعض القطاعات.
الاتحاد والحكومة.. مواجهة مستمرة أم انفراج مرتقب؟
العلاقة بين الاتحاد المغربي للشغل والحكومة كانت دائمًا متوترة، خاصة في الفترات التي تميزت بإجراءات تقشفية مست حقوق العمال، ومع مشروع قانون الإضراب الذي تصفه النقابات بأنه محاولة لإفراغ الحق النقابي من مضمونه، ازداد منسوب التوتر، خصوصًا بعد فشل جولات الحوار الاجتماعي في تحقيق مطالب الشغيلة.
ورغم محاولات الحكومة تقديم بعض التنازلات، إلا أن الاتحاد المغربي للشغل ظل متشبثًا بمطالبه الأساسية، وعلى رأسها تحسين الأجور، وخفض الضرائب على الدخل، وتوسيع الحماية الاجتماعية، ورفض التدخل في الحق في الإضراب. فهل سيحمل المؤتمر الثالث عشر توجهًا تصعيديًا في مواجهة الحكومة أم أنه سيفتح المجال أمام مقاربة أكثر مرونة؟
هل يُعيد الاتحاد المغربي للشغل رسم موازين القوى النقابية؟
إلى جانب كونه محطة لتجديد الهياكل التنظيمية، يُنظر إلى المؤتمر الثالث عشر على أنه فرصة لإعادة ترتيب المشهد النقابي المغربي، خاصة مع تراجع تأثير بعض النقابات الأخرى، وتعاظم دور الاتحاد المغربي للشغل كرقم صعب في المعادلة الاجتماعية.
وبالنظر إلى التحديات التي تواجه الحركة النقابية عالميًا، بسبب العولمة الاقتصادية والرقمنة وتغير أنماط الإنتاج، سيكون على الاتحاد المغربي للشغل البحث عن استراتيجيات نضالية جديدة قادرة على الدفاع عن حقوق العمال في سياق يتسم بتغير طبيعة الشغل وانتشار العقود قصيرة الأمد وازدياد هشاشة العمل.
محطة مفصلية لرسم المستقبل النقابي
المؤتمر الثالث عشر للاتحاد المغربي للشغل ليس مجرد لقاء تنظيمي عادي، بل هو محطة حاسمة لرسم مستقبل الحركة النقابية في المغرب، وتحديد طبيعة العلاقة مع الدولة وأرباب العمل. فهل سيخرج المؤتمر بقرارات قوية تعزز من موقع الاتحاد كمدافع شرس عن حقوق العمال؟ أم أن الضغوط الاقتصادية والسياسية ستفرض عليه تبني مقاربة أكثر براغماتية؟
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه الأسئلة، ولكن الأكيد أن الاتحاد المغربي للشغل، الذي دخل عقده الثامن، لا يزال الرقم الأصعب في المعادلة الاجتماعية المغربية، وقادرًا على إعادة تشكيل موازين القوى النقابية، إذا ما تمكن من استثمار قوته التنظيمية واستيعاب التحديات الجديدة بذكاء وواقعية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك