أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
في السادس من فبراير 2024، فقد المغرب أحد أبرز رجالاته الوطنيين والمقاومين الشرسين في وجه الاستعمار والاستبداد، المجاهد والمناضل الكبير محمد بن سعيد آيت يدر. برحيله، تُطوى صفحة من تاريخ الحركة الوطنية المغربية، التي كان أحد أبرز أركانها، سواء خلال مرحلة المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، أو في محطات النضال السياسي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
مسيرة كفاح طويلة ضد الاستعمار
وُلد محمد بن سعيد آيت يدر سنة 1925 في منطقة سوس، حيث نشأ في بيئة عُرفت بارتباطها العميق بالقيم الوطنية والإسلامية. التحق مبكرًا بالحركة الوطنية، وانضم إلى جيش التحرير المغربي في مواجهة الاستعمار، مسهمًا بفعالية في التخطيط للعمليات الفدائية ضد القوات الفرنسية والإسبانية، خصوصًا في الجنوب المغربي.
عرف عنه شجاعته وإيمانه الراسخ بالقضية الوطنية، فكان واحدًا من أبرز القادة الذين حملوا السلاح دفاعًا عن استقلال المغرب. ومع تحقيق الاستقلال عام 1956، لم يتوقف نضاله، بل استمر بطرق أخرى، بعدما أيقن أن الاستقلال لم يكن سوى بداية معركة جديدة من أجل بناء دولة ديمقراطية عادلة.
النضال السياسي والاصطدام مع السلطة
بعد الاستقلال، تحوّل محمد بن سعيد آيت يدر من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي، فانخرط في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي انشق عن حزب الاستقلال عام 1959، وكان يطالب بإصلاحات جذرية تهدف إلى بناء دولة حديثة تعتمد على المؤسسات الديمقراطية وتحقق العدالة الاجتماعية.
لكن مواقفه الجريئة جعلته في مرمى الاستهداف، حيث تعرّض للملاحقة، واضطر إلى الفرار إلى المنفى سنة 1965 بعد حملة قمعية شديدة استهدفت المعارضين السياسيين. قضى سنوات في الخارج متنقلًا بين عدة دول، لكنه لم يتخلَّ عن قضيته، وظل صوته حاضرًا في المحافل السياسية، يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
العودة والاستمرار في المعركة الديمقراطية
عاد إلى المغرب خلال الثمانينات، وانخرط مجددًا في العمل السياسي، حيث أسس سنة 1983 منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي كانت امتدادًا للأفكار الثورية التي حملها منذ شبابه، لكنها اعتمدت النضال السلمي كوسيلة لتحقيق الإصلاحات السياسية.
ظل آيت يدر، رغم تقدمه في السن، حاضرًا في المشهد السياسي، حيث شارك في عدة مبادرات وطنية، وكان من أبرز الأصوات التي دعت إلى طيّ صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها البلاد خلال ما يُعرف بـ"سنوات الرصاص"، كما لعب دورًا مهمًا في الدفع نحو المصالحة الوطنية، رغم أنه لم يكن يومًا مستعدًا لتقديم تنازلات عن المبادئ التي دافع عنها طوال حياته.
دوره في القضية الأمازيغية والدفاع عن الهوية الوطنية
إلى جانب نضاله السياسي، كان آيت يدر من المدافعين البارزين عن الهوية الأمازيغية، حيث اعتبر أن الاعتراف بالثقافة الأمازيغية جزء لا يتجزأ من بناء ديمقراطية حقيقية في المغرب. دافع عن ضرورة تعزيز مكانة الأمازيغية كلغة وثقافة، وساهم في الترافع من أجل الاعتراف بها رسميًا، وهو ما تحقق في دستور 2011 الذي نصّ على كون الأمازيغية لغة رسمية للبلاد.
رحيل رجل المبادئ والمواقف الثابتة
برحيل محمد بن سعيد آيت يدر، يفقد المغرب أحد آخر رموز جيل المقاومة الوطنية وأحد أعمدة النضال الديمقراطي. فقد كان نموذجًا للسياسي الذي لم يبع مبادئه، ولم يهادن في قضايا الحق والعدالة، وظل حتى آخر أيامه منحازًا للفقراء والمهمشين، مدافعًا عن الديمقراطية الحقيقية.
سيبقى اسمه محفورًا في تاريخ المغرب الحديث، ليس فقط كمناضل حمل السلاح في وجه الاستعمار، ولكن أيضًا كصوت جريء في وجه الاستبداد، ورمز لمعارضة لم تساوم أبدًا على المبادئ، حتى وإن دفعت ثمنها غاليًا.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك