مليارات ضائعة ومخططات فاشلة..كيف قاد الفشل التنموي المغرب من الاكتفاء الذاتي إلى استيراد الغذاء؟

مليارات ضائعة ومخططات فاشلة..كيف قاد الفشل التنموي المغرب من الاكتفاء الذاتي إلى استيراد الغذاء؟
ديكريبتاج / الجمعة 01 نوفمبر 2024 - 13:29 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1 على مدار العقدين الماضيين، رُسمت في المغرب صورة طموحة للتنمية الفلاحية المستدامة، تحت راية ما سمي بـ"المخطط الأخضر". وُعد المغاربة بأن هذه السياسة الزراعية ستعزز الاكتفاء الذاتي الغذائي، ترفع من الإنتاجية الوطنية، وتحول المملكة إلى أحد أهم مصدري المنتجات الزراعية والحيوانية. لكن، ومع تزايد التحديات الاقتصادية والتقلبات المناخية، تكشفت حقيقة مؤلمة:مخططات فشلت في تحقيق أهدافها، وموارد ضخمة من المال العام ضاعت دون محاسبة أو تقييم شامل. قرار المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) بالسماح باستيراد اللحوم الحمراء الطازجة والمجمدة من دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، وروسيا، من بين دول أخرى، يضع أمامنا تساؤلات جوهرية حول حالة القطاع الفلاحي الوطني. المغرب، الذي كان يُنظر إليه كمصدر للعديد من المنتجات الزراعية، بات الآن مضطراً للاستيراد من الخارج لتلبية احتياجاته الأساسية. التحول من التصدير إلى الاستيراد لا يعكس فقط فشل المخطط الزراعي، بل يكشف عن هشاشة السياسات الاقتصادية التي رافقت هذا القطاع. فمنذ إطلاق "المخطط الأخضر"، تم ضخ مليارات الدراهم في مشاريع تنموية تهدف إلى تحديث الفلاحة وتطوير إنتاجها. هذه المبالغ الهائلة كان من المتوقع أن تحسن من الكفاءة الزراعية وتضمن استقرار الأمن الغذائي للبلاد. ومع ذلك، نجد أن الحصيلة النهائية لم تكن سوى زيادة الاعتماد على الأسواق الدولية في تغطية العجز الغذائي الوطني. وبدلاً من أن يكون المغرب منافساً عالمياً في إنتاج اللحوم والخضراوات والفواكه، وجد نفسه عاجزاً عن تلبية احتياجاته الأساسية، مما أجبره على الانخراط في أسواق الاستيراد العالمية، حيث تتعرض الأسعار للتقلبات العالمية وتكون مرهونة بالأزمات الجيوسياسية والمناخية. السياسات الزراعية الفاشلة ليست مجرد مشكلة اقتصادية، إنها أزمة سياسية بكل المقاييس، الهدر المتواصل للموارد المالية دون تحقيق نتائج ملموسة يجب أن يضع الحكومة والمسؤولين المعنيين تحت المجهر. لماذا فشل المخطط الأخضر في تحقيق أهدافه؟ من يتحمل المسؤولية؟ وأين هي آليات المحاسبة التي تضمن مساءلة المتورطين في هذه الكارثة الاقتصادية؟ في ظل التحديات التي تواجه المغرب، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، يجب أن تكون هناك وقفة تقييمية حقيقية لهذا المخطط وغيره من السياسات الاقتصادية التي لم تحقق أهدافها. فالفشل في التخطيط الزراعي لا يتعلق فقط بحجم الإنتاجية، بل يرتبط مباشرة بالأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. تتجاوز أزمة استيراد اللحوم الحمراء مجرد توفير حاجيات السوق المحلية، هذا القرار يضع المغرب في موقف حرج على مستوى الاعتماد المفرط على الأسواق الخارجية، في وقت تتزايد فيه الأزمات العالمية المتعلقة بالمناخ والصراعات السياسية، يصبح من الصعب التنبؤ باستقرار إمدادات الغذاء في المستقبل. الاعتماد على الخارج في تأمين احتياجات البلاد الأساسية يجعل المغرب عرضة للصدمات الاقتصادية العالمية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتفاقم معاناة المواطنين، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة. أمام هذا الواقع الصعب، يبرز السؤال: ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لإصلاح الوضع؟ الإصلاح الحقيقي يبدأ أولاً بمراجعة شاملة للسياسات الزراعية السابقة، وتقييمها بموضوعية وشفافية.،ويجب أن تكون هناك رؤية جديدة تقوم على الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية المستدامة، وتطوير قدرات الفلاحين المحليين، وتعزيز أنظمة الإنتاج المحلي. كما ينبغي التركيز على إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين من خلال توفير محاسبة حقيقية لكل المسؤولين عن هدر المال العام وفشل المخططات. كما يجب أن يكون الإصلاح جزءاً من سياسة شاملة تهدف إلى ضمان سيادة غذائية مستقلة ومستدامة، بعيدة عن التأثيرات الخارجية والأزمات العالمية. من هنا، فالمرحلة المقبلة تتطلب تغييراً جذرياً في النهج السياسي والاقتصادي المتبع، ويجب أن يكون للمغرب رؤية واضحة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، بعيداً عن حلول الاستيراد المؤقتة. وهذا يتطلب تكاتف الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، من أجل بناء منظومة زراعية قوية ومستدامة. ختاما، يمكن القول، أن الأزمة الحالية ليست مجرد اختبار للسياسات الزراعية، بل هي اختبار حقيقي لإرادة الدولة في إعادة بناء الثقة في مؤسساتها وقدرتها على تلبية احتياجات مواطنيها. الوقت يداهم، والأمن الغذائي لم يعد رفاهية، بل ضرورة ملحة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك