"تاراغونا"حين يعزف المغرب سيمفونية الانتماء الثقافي في قلب "كتالونيا"

"تاراغونا"حين يعزف المغرب سيمفونية الانتماء الثقافي في قلب "كتالونيا"
ثقافة وفنون / الأحد 11 مايو 2025 - 11:30 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا

ما حدث في ساحة "كورسيني" بمدينة تاراغونا ليس مجرد مهرجان عابر يُضاف إلى أجندة الفعاليات الثقافية، بل هو تجلٍّ نادر لقوة ناعمة مغربية استطاعت أن تُلهم الشارع الأوروبي، وتعيد تشكيل النظرة إلى المغرب كحضارة قائمة بذاتها، وليست فقط بلدًا في الجوار الجغرافي.

 لقد اختار المغرب أن يحتفل بمرور خمسة عشر عامًا على تأسيس قنصليته بهذه المدينة الإسبانية، لا بخطاب "بروتوكولي" ولا بحفل مغلق، بل بحوار حي مع الجالية المغربية والناس..بالفن، والموسيقى، والمذاق، والزخرفة، والهوية.

هذا الحدث الذي امتد من 9 إلى 11 ماي، لم يكن "نشاطًا دبلوماسيًا"، بل بيانًا ثقافيًا بصيغة شعبية، أراد أن يقول إن المغرب ليس ضيفًا على أوروبا، بل شريك وجداني وحضاري، يقف على ضفة المتوسط ليس كطالب تقارب، بل كصاحب رصيد تاريخي موغل في الجذور الأندلسية والعمق الإفريقي.

لقد نجحت القنصلية العامة للمملكة المغربية بالقيادة الرشيدة للملك "محمد السادس" القوية وبأطرها وحنكتها الميدانية "بتاراغونا"، بشراكة مع بلدية المدينة، في رسم ملامح مغرب متعدد الألوان والأصوات، حاضرٌ بمطبخه، بفنونه، بصناعته التقليدية، بتراثه الشفوي، وبفكره المنفتح على العالم بأسره.

والأجمل من ذلك كله، الحضور الجماهيري الإسباني المغربي الكثيف الذي لم يتعامل مع التظاهرة كاستعراض "فلكلوري"، بل كمناسبة حقيقية لاكتشاف الآخر.

الرسالة الأهم التي وجب التقاطها من هذا الحدث هي أن الثقافة ليست زينة ولا ترفًا، بل ضرورة استراتيجية، المغرب الذي يصدّر الحوامات والسيارات والأسمدة، هو نفسه الذي يصدّر الآن ثقافته ومطبخه وقيمه للعالم.

وإذا كان الاقتصاد يحرك العالم، فإن الهوية هي من تضمن له البقاء.

أما الجانب الأكاديمي والاقتصادي الذي رافق المهرجان، فقد أضفى عليه جدية تُحوّله من مجرد كرنفال ثقافي إلى منصة تواصل مؤسساتي، حيث لاقا دعما كبيرا من كبريات الشركات الإشهارية، التي تُفتح آفاق الشراكة في التعليم، الاستثمار، والتبادل الثقافي.

وهو ما يعكس ذكاء الدبلوماسية المغربية الجديدة التي لا تكتفي بإدارة الجوازات والتصريحات، بل تبني الجسور الإنسانية بين الشعوب ميدانيا.

في زمن تزداد فيه الخطابات الشعبوية والعدائية تجاه الآخر، يختار المغرب أن يواجه ذلك بالسجاد المغربي والكسكس والفن والابتسامة، ومن قلب "تاراغونا"، يرسل رسالة قوية صارخة بليغة إلى العالم، نحن أبناء حضارة لا تنغلق، بل تتوسع وتتوسع.

إذا استمرت القنصليات المغربية في أوروبا بهذا النفس الإبداعي، فإنها ستتحول من مجرد إدارات خارجية إلى مؤسسات إشعاع، تكتب صفحات جديدة في علاقات المغرب الخارجية..ليس بالحبر الرسمي، بل بروح الفن والانتماء والإنسان.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك