
أنتلجنسيا المغرب:أبو دعاء
مع كل طلقة بارود تشق عنان السماء ومع
صهيل الخيول التي ترسم لوحات بديعة في ساحة العرض، يعيش زوار مدينة وادي زم أجواء
المهرجان الوطني الذي أعاد للذاكرة الجماعية أمجاد الفروسية التقليدية. المشهد لا
يقتصر على الفرجة فحسب، بل يجسد طقوسا تراثية ضاربة في التاريخ، تكرس مكانة
"التبوريدة" كعنوان للأصالة والهوية المغربية.
على جنبات الساحة، يقف الجمهور مبهورا
أمام استعراضات "السربة". فرسان في أبهى حلة تقليدية، جلابيب بيضاء،
عمامات أنيقة، سلهام مرصع بالوقار، وسراويل فضفاضة تحمل عبق الماضي، بينما البنادق
المزخرفة تعكس إبداع الصانع التقليدي الذي رافق مسيرة هذا الموروث. كل التفاصيل
تؤكد أن التبوريدة ليست مجرد عرض بل حكاية ممتدة من التاريخ إلى الحاضر.
بإشارة صارمة من "المقدم"،
ينطلق الفرسان دفعة واحدة فوق صهوات خيول مزينة بالسرج المغربي الأصيل، يقطعون
الساحة بانسجام مبهر قبل أن تتوحد البنادق في لحظة فارقة تطلق خلالها طلقة جماعية
قوية تصدح في الأجواء. هنا يختزل سر الجمال، حيث تذوب الفردية في روح الجماعة،
ويعلو تصفيق الجمهور الذي يتذوق لذة المشهد التاريخي.
وقبيل كل انطلاقة جديدة، يقدم
"المقدم" استعراض "التشويرة" أو "الهدة"، تحية
للمتفرجين ورسالة اعتزاز بالفروسية، قبل أن تعود السربة إلى نقطة البداية لسباق
آخر يحمل نفس الإثارة. نجاح العرض يظل مرهونا بدقة الفرسان وقدرتهم على توحيد
الطلقة، مما يضفي على المشهد رهبة وإيقاعا خاصا يميزه عن باقي الفنون الشعبية.
هذا الطقس العريق الذي ورثته قبائل
وادي زم عبر عقود طويلة، يعيد الاعتبار للخيل كجزء أصيل من التراث المحلي، ويبرز
مكانة المنطقة كفضاء زاخر بالمؤهلات الفلاحية والسياحية، خصوصا في مجال تربية
الخيول العربية والبربرية. المهرجان الوطني لوادي زم لم يعد مجرد احتفال، بل منصة
لتثمين الفروسية كتراث لامادي وضمان استمرارها عبر الأجيال، فضلا عن جعله رافعة
للتنمية الثقافية والاقتصادية والسياحية للمنطقة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك