أنتلجنسيا المغرب:الرباط
تتفاعل فصول واحدة من أكثر القضايا حساسية داخل الجسم القضائي المغربي بعد إحالة مسؤول قضائي سابق كان يشغل منصب نائب الوكيل العام للملك بفاس على غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بالرباط، لمتابعته في سلسلة ثقيلة من التهم، تتوزع بين التحرش الجنسي والارتشاء واستغلال النفوذ وتقديم مواد مضرة بالصحة والنصب والمشاركة في بث ادعاءات كاذبة بقصد التشهير.
الملف، الذي ظل طيلة الأشهر الماضية مثار جدل واسع، وصل هذا الأسبوع إلى أولى جلساته العلنية، غير أن المتهم تخلف عن الحضور رغم خضوعه لتدابير المراقبة القضائية، ما دفع المحكمة إلى تحديد جلسة جديدة بتاريخ 29 دجنبر الجاري لإجباره على المثول أمامها.
ووفق المعطيات المستقاة من قرار الإحالة، فإن قاضي التحقيق توصل خلال شهرين من الأبحاث التفصيلية إلى وجود مؤشرات قوية ووسائل إثبات كافية على ضلوع المتهم في التحرش بزوجة أحد المشتكين، وهي واقعة أكدتها تصريحات الضحية والدعامات المرفقة بالملف. كما كشفت التحقيقات عن العثور على منشط جنسي داخل سيارة شخص آخر، تبين أنه من مصدر المتهم، ليجري تضمين جنحة تقديم مواد مضرة بالصحة ضمن لائحة المتابعات، في تطور زاد من تعقيد القضية.
وشهدت نهاية شتنبر الماضي قراراً حازماً لقاضي التحقيق عبد القادر الشتنوف، رئيس الغرفة الأولى بقصر العدالة بالرباط، بوضع المسؤول القضائي رهن المراقبة القضائية وسحب جواز سفره وإلزامه بالحضور الدوري لدى المصالح الأمنية، وذلك في إطار التحقيق الذي باشرته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الشبهات المثارة ضده. وقد جاءت هذه الإجراءات عقب شكاية مباشرة تقدم بها برلماني بجهة فاس مكناس، اتهم فيها المسؤول القضائي بتلقي رشوة قيمتها 50 مليون سنتيم مقابل التدخل في مآل ملف يخصه، مرفقاً شكايته بشريط مصور يوثق عملية التسليم.
ورغم أن بداية الأبحاث ركزت على شبهة الارتشاء واستغلال النفوذ، إلا أن النيابة العامة وجهت تعليماتها بالتوسع في التحقيق ليشمل أيضاً المشاركة في بث وقائع كاذبة بقصد التشهير. وبعد انتهاء البحث التمهيدي، رجحت التكهنات إمكانية اعتقال المسؤول القضائي وإيداعه السجن، غير أن قاضي التحقيق اختار متابعته في حالة سراح مع إخضاعه لقيود قضائية مشددة، قبل أن تكشف الأبحاث عن وجود جنح أخرى مرتبطة بالتحرش الجنسي وتقديم مواد خطرة على الصحة.
وعلى الصعيد المؤسساتي، سارع المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى توقيف المعني بالأمر عن العمل مباشرة بعد تفجر الشبهات، في خطوة اعتُبرت مؤشراً على خطورة الوقائع الموجهة إليه، خاصة أن الضابطة القضائية كانت قد أنهت منذ أشهر مساطر البحث في الشكاية المتبادلة بين الطرفين.
وتعود جذور القضية إلى خلاف وقع داخل مطعم بمنتجع سياحي يملكه البرلماني المشتكي، حين حاول شاب تصوير الزبائن قبل أن ينشب تلاسن انتهى بتدخل الضابطة القضائية. ويروي البرلماني أنه تلقى لاحقاً اتصالاً من المسؤول القضائي يوهمه أنه قادر على التدخل لإغلاق الملف، قبل أن يضرب معه موعداً قام خلاله بتوثيق تسليم مبلغ 50 مليون سنتيم كرشوة مزعومة. لكن المشتكي يؤكد أنه، رغم حفظ القضية، وجد نفسه عرضة لمساومات جديدة عبر شكايات اعتبرها كيدية، ما دفعه إلى وضع شكاية إضافية لدى الوكيل العام. في المقابل، ظل المسؤول القضائي ينفي كل ما نسب إليه خلال مختلف مراحل البحث التمهيدي والتحقيق التفصيلي، مؤكداً أن الاتهامات مجرد ادعاءات تستهدف تشويه سمعته.
وتستعد المحكمة لجلسة أواخر دجنبر الحاسمة، في انتظار مثول المتهم ومناقشة تفاصيل القضية التي باتت تحظى باهتمام واسع، بالنظر إلى موقع الشخص المتابع وتشعب التهم المرتبطة به، وسط ترقب لِما إذا كانت هذه المحاكمة ستشكل منعطفاً في معالجة ملفات الفساد والتحرش داخل الوسط القضائي المغربي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك