أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
في ضربة نوعية تؤكد جاهزية ويقظة
أجهزة الأمن المغربية، نجحت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بأكادير،
بتنسيق محكم مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، في إسقاط اثنين من أخطر
المطلوبين للعدالة البريطانية، كانا يتواريان عن الأنظار بمنطقة أنزا شمال
المدينة، وكأنهما في مأمن من يد العدالة. لكن أنزا، الهادئة شكلاً، أبت إلا أن تفضح
سكونها المؤقت وتتحول إلى مسرح لإحدى أنجح العمليات الأمنية ذات البعد الدولي.
الموقوفان، وهما مواطنان بريطانيان،
لم يكونا مجرد فارّين من العدالة، بل ارتبط اسماهما بنشرات حمراء أصدرتها المنظمة
الدولية للشرطة الجنائية "أنتربول"، في ملفات ثقيلة تستدعي يقظة أمنية
قصوى، وصرامة في التعامل. فالأول يُشتبه في ارتكابه جريمة قتل عمد، أما الثاني
فمتابع بتهم تتعلق بخرق شروط الإفراج المقيد وعدم المثول أمام القضاء، وهي جرائم
تضع أصحابها في خانة "الخطر الداهم"، وتصنّفهم ضمن المطلوبين الأشد
خطورة.
العملية جرت بحنكة وسرية فائقة بعد
زوال يوم السبت، حيث نفّذت عناصر الشرطة تدخلًا خاطفًا ومحكمًا، مفعمًا بالمهنية
والدقة، ليُسدل الستار عن مرحلة من التخفي امتدت لأسابيع، وربما أشهر، في محاولة
يائسة للهرب من طيف العدالة. لكن المغرب، الذي رسّخ صورته كحليف موثوق في الحرب ضد
الجريمة المنظمة، لم يكن ليسمح بتحول ترابه إلى ملاذ آمن للفارين.
التحقيقات الأولية التي تمت عقب
التنقيط عبر قواعد بيانات "أنتربول"، أكدت صحة الاشتباه، وكشفت حجم
التهم الثقيلة التي تطارد الموقوفين. فالأمر لم يكن يتعلق بمخالفات بسيطة أو جنح
عرضية، بل بجنايات خطيرة جعلت من القبض عليهما ضرورة أمنية دولية.
وقد تم وضعهما تحت تدابير الحراسة
النظرية، في انتظار استكمال مسطرة التسليم إلى السلطات البريطانية التي تم إشعارها
بشكل رسمي، ضمن خطوات قانونية تحترم الاتفاقيات الدولية وتنسجم مع التشريعات
الوطنية المغربية، وتؤكد من جديد أن المملكة المغربية شريك فاعل ومُعتمد في مكافحة
الجريمة المنظمة عبر القارات.
إن هذه العملية الناجحة لا تقتصر
أهميتها على القبض على مجرمين هاربين فحسب، بل تحمل رسائل قوية في طياتها، أولها
أن المغرب ليس حائطًا قصيرًا يمكن أن يقفز عليه المجرمون للهروب من العدالة.
وثانيها أن التنسيق الأمني بين مؤسسات الدولة – الوطنية منها والدولية – لم يعد
ترفًا دبلوماسيًا، بل ضرورة استراتيجية في زمن أصبحت فيه الجرائم عابرة للقارات،
والعدالة مُطالبة بالمطاردة العابرة للحدود.
كما تعزز هذه العملية المكانة
الاعتبارية التي بات يحظى بها المغرب داخل المنظومة الأمنية الدولية، كشريك حاسم
وموثوق في التصدي للمخاطر المتنامية المرتبطة بالإرهاب، وتجارة المخدرات، وجرائم
القتل، والاتجار بالبشر. وهي مكانة لم تأت من فراغ، بل من تراكم خبرات، وتحديث
آليات، وصرامة منهجية في محاربة الجريمة بجميع تلاوينها.
المطلوبان، رغم كونهما من جنسية
بريطانية ومن خلفية مافيوية خطيرة، سقطا على يد الأمن المغربي، في تأكيد صريح على
أن لا جنسية تحمي المجرم من المحاسبة، ولا مكان يمكن أن يختبئ فيه من طالتها يد
العدالة الدولية.
هكذا تُثبت أكادير من جديد أن الأمن
المغربي ليس فقط في مواجهة الجرائم المحلية، بل هو رأس حربة في التصدي للجريمة
المنظمة العابرة للحدود، وأن التنسيق بين الشرطة القضائية والمديرية العامة
لمراقبة التراب الوطني ليس مجرد تنسيق تقني، بل جبهة داخلية متكاملة لمطاردة
المجرمين مهما تباعدت الجنسيات، وتغيرت الجغرافيات، وتشابكت الملفات.
وإذا كانت أنزا قد استيقظت على مشهد
الاعتقال الهادئ، فإن بريطانيا اليوم تستفيق على خبر القبض على اثنين من أخطر
المطلوبين لديها، على يد أمن بلد لا يراهن فقط على قوة الردع، بل على الذكاء
الاستباقي، والتعاون الرفيع المستوى، والمهنية العالية.
بهذه العملية، يكتب المغرب فصلاً
جديدًا في كتاب التحدي الأمني الدولي، ويبعث برسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه
الفرار من وجه العدالة: التراب المغربي ليس لك مأمن.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك