صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (16)

صورٌ ومشاهد من غزة بعد إعلان انتهاء العدوان (16)
أقلام حرة / الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 - 14:14 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي/بيروت

حال غزة على أبواب فصل الشتاء وهطول الأمطار

تخلص أهلنا في قطاع غزة من الحرب الدموية التي شنها العدو الإسرائيلي عليهم مدة عامين كاملين، كانتا عليهم قاسيتين كالصريم، وهوجاء كريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ، ما أتت على شيءٍ إلا جعلته كالرميم، وارتاحوا نسبياً من الغارات العنيفة، والقصف المدمر، والقتل اليومي، والنزوح المستمر، وباتوا يرممون ما بقي من بيوتهم، وينصبون خيامهم البالية فوق ركام بيوتهم المدمرة، ويحاولون بجهودهم الشخصية استعادة الحياة ولو قليلاً، وتأمين أماكن إقامتهم المتواضعة البسيطة، والتي هي بالنسبة لمن عاد إلى منطقته، ووجد فيها مكاناً يأوي إليه ويقيم فيه، ويجمع فيها من بقي من أفراد أسرته ويسترهم، وكأنها قصور مشيدة ومنازل فخمة.

لكن غزة مقبلة خلال هذه الأيام على فصلي الخريف والشتاء، وإن تأخر نسبياً هطول المطر، وما زالت حرارة الجو أعلى من معدلاتها في هذا الوقت من العام في المنطقة عموماً، وما من دولة أو منطقة إلا وتتهيأ قبل فصلي الخريف والشتاء من كل عام، وتتفقد جاهزيتها لأي طوارئ، واستعداد فرقها الفنية والعاملين فيها، وتجري صيانة للمجاري الصحية، وتعبد الطرق وتردم الحفر، وتطوف على المناطق وتجوب الأحياء، وتسأل عن الحاجات والنواقص، وتجهز طواقم الدفاع المدني، وتطمئن إلى جاهزيتها لأي طوارئ، وتفرض على السيارات نظمها للسلامة العامة وإجراءات الأمان المرعية الإجراء.

لكن قطاع غزة اليوم، الذي يعيش في أقل من نصف مساحته قرابة مليوني مواطنٍ، بلا مساكن أو أماكن إيواء، وبلا مبانٍ أو بيوت، لا يجد ما يستقبل به فصل الشتاء، ولا ما يواجه به طوارئه، أو يسد به نوائبه، أو يلبي به سكانه، فمبانيه مدمرة، وشوارعه محفورة، وطرقه مغلقة، وخيام سكانه ونازحيه بالية، لا تحمي من تحتها ولا تقيهم المطر ولا ترد عنهم البرد، وغيرهم في العراء بلا مسكنٍ أو مأوى، وشبكة المجاري الصحية فيه منهارة، إذ جرف جيش العدو الأرض بكل ما فيها، وأتى على أنابيب المجاري وقنوات الصرف الصحي، وأكوام القمامة صارت تلالاً تملأ الشوارع والطرقات، وتتسبب في الأوبئة والأمراض، وتنشط فيها وتتكاثر مختلف الحشرات، ولا مياه شربٍ نقية، أو مياه خدمةٍ كافية، فضلاً عن غياب المنظفات والمعقمات ولوازم الصحة والنظافة، في ظل غياب الكهرباء التي تتوقف عليها مختلف الخدمات.

كما لا ينسى سكان قطاع غزة إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إغراق وادي غزة بالمياه العادمة والفضلات الآدمية خلال فصل الشتاء، بصورة متعمدة ومقصودة، في ظل غياب القدرات العملية لتكرير المياه وتصريفها أو جرها إلى البحر، مع ما يترتب على ذلك من انتشار الروائح الكريهة جداً، والحشرات القارصة المؤذية، وتلويث مياه البحر والمناطق القريبة، وأثر ذلك على المستحمين والصيادين والثروة السمكية الضئيلة المسموح للصيادين الفلسطينيين باستغلالها.

هذا إلى جانب وجود جثامين آلاف الشهداء تحت ركام المباني المدمرة، حيث لا يمكن الوصول إليهم وانتشالهم من تحت الأنقاض بسبب غياب الآليات الثقيلة، فضلاً عن تحلل الجثث والجثامين، وانتشار الكلاب الضالة التي تنهش ما بقي منها، وما يترتب على ذلك من تلوث البيئة، وانتشار الأوبئة والأمراض، وتلوث المياه الجوفية التي يتعذر الوصول إليها، وفساد مياه الآبار السطحية التي يحاول المواطنون الفلسطينيون الاستعاضة بها عن سياسة التعطيش التي يمارسها العدو ضدهم.

أما البلديات المكلفة بالتجهيز والإعداد، والمسؤولة عن المواجهة والتصدي لكل طوارئ الشتاء وعواصف الخريف والأنواء، فهي مدمرة أيضاً، واستشهد العشرات من موظفيها، وتم قصف مقارها ومراكزها وآلياتها ومعداتها، ولا يسمح العدو بإدخال معداتٍ وآلياتٍ جديدة إليها، حتى أضحت البلديات ضعيفة لا إمكانيات لديها ولا قدرات عندها، مما اضطرها للعمل بالوسائل البدائية والمجارف والمعاول والمهدات اليدوية، التي يلزم الإنجاز فيها أياماً وليالي طويلة، مع الإشارة مجدداً إلى غياب الكهرباء التي تعمل بها الكثير من الآليات، وانعدام الوقود أو نذرته المشغل لبعض الآليات البديلة.

يجب أن يكون معلوماً لجميع دول العالم، خاصة تلك الدول التي ساندت الكيان الصهيوني وأيدته، ودعمته بالمال والسلاح والعتاد والذخيرة، أن قطاع غزة ما زال يعيش مأساةً حقيقية وإن انتهت الحرب وتوقفت العمليات الحربية، وأن موسم الشتاء القادم سيكشف حجم المعاناة وعمق الأزمة التي خلقها وتسبب بها العدو الإسرائيلي بحربه المجنونة على قطاع غزة، الأمر الذي يفرض على المجتمع الدولي أن يتصدى لهذه التحديات، وأن يلتزم بالتخفيف من معاناة الفلسطينيين، الذي كان سبباً وشريكاً فيها.

 يتبع ...

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك