
بقلم : أ.د محمد سعيد حسب النبي/أستاذ جامعي
من قديم
الزمان أُولع البشربتصور الإنسان الأعلى أو الإنسان الكامل. إذ عرفوا أن الإنسان
لابد وأن يحمل شيئًا من جوانب النقص، وأن الكمال أمر مستحيل. فانطلق خيالهم ليضع
صورًا تعوض نواحي النقص المختلفة. فكانت آلهةُ اليونان صورًا للإنسان الكامل في
بعض نواحيه، والجن يعملون أعمالاً يتشوق البشر لعملهاولكنهم لا يستطيعون.وما أن
يجود الزمان ببطل في ناحية من نواحي الكمال، حتى يفيض عليه البشر من خيالهم ما
يستكمل نقصه؛ فيضفون على عنترة من الشجاعة ما يمكنه من مواجهة قبيلة كاملة، ويفيضون
الحكمة البالغة على زرادشت وبوذا، والكرم النادر علىحاتم، والنصر المؤزر على
نابليون.
وانسحب الأمر
ذاته على الممالك والأمم؛ فتصور البشر مُدنًا يسود فيها العدل التام، وتخيلوا
اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، وحلموا بالإنسان الكامل الذي يأتي ليحكم الأرض؛
فيملأها عدلاً بعد أن مُلئت جورًا.
وهكذا وُضعت
صورة الإنسان الكامل في كل العصور، في الشرق والغرب. الإنسان الكامل حكمة وعدلاً
وعفة. وكان لبعض الفلاسفة رؤية في ذلك الإنسان.فجاء عند ابن عربي أن الإنسان
الكامل هو من يرقى بنفسه حتى يتصل بخالقه، يفنى فيه، ويسلك في حياته الطريق الواصل
إليه. وهو الطريق الذي سلكه الأنبياء والأولياء والصالحون. وإذا وصل الإنسان إلى
هذه الغاية استطاع أن يدرك ما لا يدركه الناس، ويتحرر من الحجاب الذي أسبلته عليه
الحواس.
وللغرب نظرته للإنسان الكامل؛ فقد كتب نيتشه في الإنسان الأعلى. وقد كان له من القوة والأثر ما أحيا به فكرة أن الإنسان الأعلى يُكوّن ويُربى ويرقى إلى أن يصل إلى الغاية. وأكبر فضائله الرجولة والشجاعة والإقدام. وأسمى ما فيه قوة إرادته وثبات عاطفته. فهو إذا أراد غامر وجاهد، وإذا نَفّذَ ما أراد لم يندم.
إن الإنسانية الكاملة تتجلى في النشاط والقدرة
والقوة في كل أشكالها. و يتقاطع ذلك مع قوة الجسم؛ فلا روح قوية في جسم ضعيف.
وفلسفة الإنسان في الحياة تتكامل بقوة الجسم وقوة العقل وقوة العاطفة. مع ضرورة
إيجاد التوازن والانسجام بين هذه القوى. ويجب أن تكون غاية الأمة العمل على إيجاد
هذا الإنسان الكامل فتجعل من نفسها جسرًا يخطو عليه.
وأفكار نيتشة
تخالف ابن عربي. فقد صبغ ابن عربي الروحانية على الكمال الإنساني، وهذا ما تجاهله
نيتشه، حيث اختصر الإنسان الكامل في عناصر
مادية واجتماعية واقتصادية، متجاهلاً عنصر الروحية الكامن فيه. وكلما ارتقى
الإنسان أحسّ أن له جانبين؛ جانبًا ماديًا يشارك فيه باقي الكائنات، وآخر روحيًا
يتعزز كلما ارتقى؛ فيمنحه حدة الإدراك، وحرية التفكير، وقوة الإلهام.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك