أسماء قبة: ليالي البرد علّمتني ما لم تُعلّمني الحياة…

أسماء قبة: ليالي البرد علّمتني ما لم تُعلّمني الحياة…
أقلام حرة / الاثنين 16 يونيو 2025 - 08:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم: أسماء قبة

فاعلة مدنية الجمعية المغربية لمناهضة العنف والتشرد

أكتب هذه الكلمات وقلبي مثقل…

مثقل بتفاصيل 11 سنة من العمل الإنساني، من الخرجات الليلية، من السعي خلف أرواح نُسيت وتُركت لمصير لا يرحم.

إحدى عشر سنة وأنا أتنقل بين الأرصفة، أنظر في عيون الناس المنسيين، أسمع قصصًا ما كنت أظن أن بشرًا قد يعيشها…

كم من مرة جلست على الرصيف بجانب متشرد يرتجف؟ كم من مرة أمسكت بيد شخص في أنفاسه الأخيرة؟ كم من مرة بكيت في صمت حتى لا ينهار من حولي؟

 

الناس لا تعرف…

الناس ترى صورًا وابتسامات، لكن لا أحد يرى حجم المعاناة.

 

لقد رأيت الموت بأشكاله.

رأيت شخصا يحتضر على قطعة كرتون في بردٍ قارس .

رأيت طفل يبكي بسبب العنف النفسي والجسدي الذي تعرض له .

رأيت عجوزا يُنادى من طرف بعض الاشخاص بـ"الحيوان" فقط لأنه بلا مأوى.

 

وهل أخبركم عن الأمراض؟

عن أجسادٍ منهكة تحمل الجرب، التقرحات، التهابات الرئة، القمل ، الاضطرابات النفسية؟

هل تتصورون أنني عانقت مرضى دون أن أفكر؟ فقط لأنهم كانوا بحاجة لحضن… حتى لو كان آخر حضن في حياتهم.

 

وهل أحدثكم عن التهديدات؟

عن الخطر في كل خرجة ليلية…

عن أنني واجهت في مرات كثيرة عدوانًا من بعض المتشردين المضطربين؟

عن أنني سُرقت، دُفعت أرضًا، أُهنت… وكنت أعود للبيت منهكة، جسدي موجوع، وقلبي أشدّ وجعًا؟

 

ومع ذلك… لم أتوقف.

لا لأنني لا أتألم، بل لأنني لا أستطيع أن أتجاهل إنسانًا يموت على الرصيف.

 

اليوم، بعد كل هذا، أحمد الله…

الحمد لله أن الشقاء لم يذهب هباءً.

الحمد لله أنني اليوم أُدير مركزًا لرعاية المتشردين، مركزًا خرج من رحم الليل، من وجع البرد، من صرخات الجوع.

مركزًا يعيد للإنسان اسمه، يعيد له احترامه، يعيد له حياته.

 

هل تعرفون ما معنى أن تعيد إنسانًا للحياة؟

أن تغسله، أن تلبسه، أن تعالجه، أن تجعله يبتسم بعد سنوات من الألم؟

نعم، هناك من كانوا متشردين، واليوم يعملون، ينتجون، يساعدون غيرهم.

 

وفي لحظة صدق… أسمح لنفسي أن أقولها: أصفق لنفسي.

نعم، أصفق لهذا القلب الذي لم يتوقف عن العطاء رغم كل شيء.

أصفق لروحي التي اختارت أن تسير في الظلام كي تضيء لغيرها طريقًا.

ليس فخرًا، بل اعترافًا أنني لم أضعف… رغم كل التعب.

 

لكن الطريق ما زال طويلاً، والوجع مستمر…

وأكتب هذا المنشور اليوم، لا لأتفاخر، بل لأطلب منكم شيئًا بسيطًا:

 

أن تروا المتشرد كإنسان.

أن تُدركوا أن الشارع لا يصنع الوحوش، بل يكشف عن مجتمعٍ تخلّى.

أن تمدوا أيديكم، بكلمة، ببطانية، بدعاء، بأي شيء… فالرحمة لا تحتاج مالًا.

 

مركز رعاية المتشردين والمختلين عقليا بدون مأوى بنسودة

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك