ثورة الكفاءات: هل يتحول التكوين المهني بالمغرب إلى نموذج عالمي؟

ثورة الكفاءات: هل يتحول التكوين المهني بالمغرب إلى نموذج عالمي؟
تكنولوجيا / الإثنين 29 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم: إلياس عين الناس

مكوّن في التواصل باللغة الإنجليزية والمهارات السلوكية (Soft Skills)

بمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل

في عالمٍ لم تعد فيه قوة الدول تُقاس بما تختزنه من ثروات طبيعية، بل بما تنتجه من عقول مبتكرة وكفاءات قادرة على التكيّف، يبرز التكوين المهني في المغرب كأحد أهم رهانات التحول الوطني. إن المملكة اليوم لا تراهن على الكم، بل على القيمة البشرية المضافة؛ حيث لم يعد الهدف مجرد تأهيل يد عاملة، بل تكوين رأسمال بشري فاعل، يقود سفينة المغرب نحو الريادة العالمية في سلاسل القيمة الجديدة.

ومن خلال التجربة الميدانية داخل مؤسسات التكوين المهني، يتضح أن المتدرب اليوم لم يعد ينتظر شهادة فقط، بل مسارًا واضحًا، وتكوينًا يمنحه قابلية حقيقية للاندماج والتطور داخل سوق شغل متغير.

المرجعية الملكية: الإنسان محور السيادة الاقتصادية

تستند هذه الدينامية إلى رؤية متبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي أكد في خطاب عيد العرش (2018) أن «الاستثمار في الرأسمال البشري، هو استثمار في المستقبل». كما شدد جلالته في خطاب 20 غشت من السنة نفسها على أن التكوين المهني يجب أن يفتح أمام الشباب «باب الثقة والأمل في المستقبل».

وقد شكّلت هذه التوجيهات الإطار المرجعي لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (OFPPT). وفي هذا السياق، تؤكد السيدة لبنى أطريشا، المديرة العامة للمكتب، أن الطموح الوطني يفرض «قفزة نوعية في تحديث منظومة التكوين للاستجابة لمتطلبات المستقبل، لا فقط لحاجيات الحاضر».

من “مؤسسة تلقين” إلى “عقلية الشركة العالمية”

الرهان الحقيقي يكمن في الانتقال بالمؤسسة التكوينية من منطق الإدارة الكلاسيكية إلى نموذج الشركة العالمية. هذا التحول يقتضي وضع المتدرب في قلب المنظومة كـ زبون استراتيجي، يتمتع بتجربة متكاملة تبدأ من التوجيه الذكي، مرورًا بالتعلم بالمشاريع، وصولًا إلى الإدماج المهني.

ويتطلب هذا النموذج هيكلة وظيفية متناغمة تحاكي عمل المؤسسات الكبرى:

      القيادة الاستراتيجية: لتنزيل رؤية Skills 4.0 ومواكبة Industry 5.0.

      هندسة التكوين والابتكار (R&D): لتطوير برامج بيداغوجية حديثة ومختبرات تعلم ذكي.

      إدارة التغيير والجودة: لضمان التحسين المستمر عبر مؤشرات الأداء (KPIs).

      منظومة الشراكات والحاضنات: لربط التكوين بسوق الشغل ودعم المبادرات الريادية للمتدربين.

خارطة الطريق: من الرؤية إلى الأثر

لا يتوقف مشروع “مغرب المهارات” عند مستوى التصور، بل يرتكز على آليات تنفيذية واضحة، من بينها:

1.   الرقمنة الشاملة لمسارات التكوين وتتبع الأداء.

2.   إحداث مختبرات للابتكار وحاضنات مشاريع.

3.   ضمان الاستدامة المالية عبر شراكات ذكية مع القطاع الخاص.

4.   تطوير مقاربات جهوية تحترم خصوصيات كل مجال ترابي.

ثورة ثقافية: القيادة والتعلم مدى الحياة

إن نجاح هذا التحول يظل رهينًا بتبني مبادئ القيادة التحويلية القادرة على إلهام الموارد البشرية، وتعزيز روح المبادرة داخل المؤسسات. كما تشكل فلسفة التعلم مدى الحياة ركيزة أساسية لتمكين المتدرب والمكوّن معًا من التكيّف المستمر مع تحولات المهن ومهارات المستقبل.

وهنا يطرح سؤال جوهري نفسه:

هل نكتفي بتدبير منظومة التكوين المهني، أم آن الأوان للانتقال إلى قيادتها بمنطق استباقي؟

خاتمة: مغرب يصنع مجده بمهارات أبنائه

إن بناء الحضارات يبدأ بمهارات أبنائها. و”مغرب المهارات” ليس مشروعًا ظرفيًا، بل مسارًا وطنيًا متجددًا، غايته صناعة قادة ومبتكرين، لا فقط طالبي شغل.

هكذا يُكتب مستقبل الأمم: بالمعرفة، بالمهارة، وبالإنسان الذي لا يملّ من العطاء… في أفق يصنع فيه المغرب تميّزه كقطب عالمي للكفاءات بروح وطنية أصيلة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك