كرة القدم بين شغف الشعوب وسلاح الإلهاء الجماهيري

كرة القدم بين شغف الشعوب وسلاح الإلهاء الجماهيري
رياضة / السبت 21 يونيو 2025 - 03:45 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

تُعد كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية على وجه الأرض، يتابعها الملايين بشغف، وتُمارس في الشوارع، الملاعب، والساحات العامة، من الأحياء الفقيرة إلى العواصم الكبرى.

فهي ليست مجرد لعبة؛ بل ثقافة، وهوية، ووسيلة تعبير اجتماعي عابرة للحدود واللغات. وبفضل هذا الانتشار الكوني، أصبحت الكرة أداة تأثير غير مسبوقة في المزاج العام للشعوب.

كرة القدم صمام أمان اجتماعي

تلعب كرة القدم في كثير من المجتمعات دور "صمام الأمان" الذي يُخفف من الاحتقان الشعبي. في فترات الأزمات السياسية أو الاقتصادية، غالبًا ما يُلاحظ ارتفاع كبير في استهلاك المحتوى الكروي، سواء عبر المباريات أو البرامج الرياضية.

فبينما تواجه الشعوب مشاكل البطالة، الفساد، أو التضخم، تُصبح متابعة فريق وطني أو نادٍ رياضي وسيلة للهروب من الواقع، والانخراط في انفعالات لحظية تُنتج شعورًا زائفًا بالانتصار والانتماء.

متى تتحول الكرة إلى أداة لصرف الانتباه؟

رغم أن الشغف الكروي لا يُمكن إنكاره، إلا أن هناك مؤشرات عديدة على استغلال منظم ومقصود لكرة القدم من طرف أنظمة سياسية لإلهاء الشعوب.

ففي فترات الأزمات، تُنظَّم مهرجانات كروية، تُضخ الملايين في الأندية، وتُسلّط الأضواء على "صراعات رياضية" بينما تغيب تمامًا التغطية لقضايا مثل تردي التعليم أو انهيار الصحة.

بل ويتم توظيف الإعلام الرياضي، في كثير من الأحيان، كأداة لصناعة الأبطال الزائفين وتشتيت الانتباه عن فشل السياسات العمومية.

الإعلام الرياضي:أفيون من نوع خاص

لم يعد الإعلام الرياضي مجرد وسيلة لنقل المباريات وتحليل الأداء؛ بل تحوّل في بعض الدول إلى آلة ضخمة لصناعة الوعي الزائف.

يتم التركيز على قضايا "ثانوية" مثل خلافات اللاعبين، أو نتائج المباريات، بينما تُغيب القضايا المصيرية. وتحوّل بعض المذيعين والمحللين إلى ناطقين غير رسميين باسم السلطة، يُروجون لخطاب "الإنجازات" عبر الرياضة، ويصوّرون الفوز في مباراة كأنه انتصار حضاري أو وطني يعوّض عن سنوات من التراجع.

حين تُقلب المعادلة:الكرة كأداة للوعي

رغم هذا الواقع، تبقى كرة القدم أيضًا أداة يمكن توظيفها بشكل إيجابي. في العديد من الدول، تحوّلت الأندية واللاعبون إلى أصوات معارضة للظلم، ومدافعين عن حقوق الإنسان، كما حدث في أمريكا اللاتينية أو بعض الدول الإفريقية.

فالكرة، كما تُستغل في التعتيم، يمكن أن تكون منبرًا للتنوير إذا ما امتلك الجمهور وعيا نقديا، وإذا ما خرجت من قبضة التوظيف السياسي والإعلامي المُوجه.

الوعي الجماهيري هو الحل

في نهاية المطاف، لا تكمن المشكلة في كرة القدم بحد ذاتها، بل في الطريقة التي تُستغل بها، وفي غياب التوازن بين الانفعال الرياضي والانخراط في النقاش العمومي.

فالمطلوب ليس مقاطعة الكرة، بل رفض استخدامها كأداة لصرف الشعوب عن قضاياها الكبرى، والعمل على ترسيخ وعي يُفرّق بين الترفيه والمصير الوطني.

ففي الوقت الذي يُحتفى فيه بهدف في الدقيقة 90، قد تكون هناك قوانين تُمرر في الظلام، أو حقوق تُصادر في صمت.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك