تحالف الرباط والقاهرة..شراكة استراتيجية عسكرية تعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية

تحالف الرباط والقاهرة..شراكة استراتيجية عسكرية تعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية
شؤون أمنية وعسكرية / الخميس 08 مايو 2025 - 15:18 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب

في ظل عالم يغلي على صفيح ساخن من التحولات الجيوسياسية، يبدو أن المغرب ومصر بصدد إعادة صياغة علاقاتهما الثنائية على أسس جديدة، تتجاوز الطابع الدبلوماسي والاقتصادي التقليدي نحو شراكة استراتيجية ذات بعد أمني وعسكري.

التقارب غير المسبوق بين الرباط والقاهرة، والذي كان إلى وقت قريب خجولاً على مستوى التعاون الدفاعي، بات اليوم يشكل أحد أبرز مؤشرات التغير في موازين القوى الإقليمية.

قفزة نوعية في التعاون العسكري

شهدت العاصمة المصرية القاهرة، خلال الأيام الأخيرة، اجتماعاً لافتاً بين وزير الدولة للإنتاج الحربي المصري محمد صلاح الدين مصطفى وسفير بلاده لدى المملكة المغربية، حيث جرى بحث سبل تعزيز التعاون الدفاعي المشترك، خاصة على مستوى توسيع استثمارات الصناعات العسكرية المصرية داخل السوق المغربية، واستكشاف آفاق الشراكة الصناعية الدفاعية العابرة للحدود.

اللقاء جاء ليؤكد تحولات جارية بهدوء في الكواليس، تواكب الارتفاع المتسارع لميزانيات الدفاع في كلا البلدين خلال السنوات الخمس الأخيرة، في إطار استراتيجية تروم تطوير التصنيع الحربي المحلي، وتنويع مصادر السلاح، وضمان استقلالية القرار الدفاعي.

من “التضامن العسكري” إلى “التكامل الصناعي”

التعاون العسكري بين البلدين ليس جديداً كلياً، إذ تعود أولى ملامحه إلى حرب أكتوبر 1973، حيث شاركت وحدات من الجيش المغربي إلى جانب الجيش المصري في معركة استرداد الأرض والكرامة. غير أن ما يحدث اليوم يرقى إلى مستوى جديد من التنسيق، قائم ليس فقط على الدعم الرمزي أو السياسي، بل على خلق بيئة مشتركة للإنتاج الحربي والتكامل الصناعي، وفق ما أكده الدكتور تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، في تصريح خاص.

يرى الحسيني أن التصريحات المتبادلة واللقاءات الأخيرة ما هي إلا "جس نبض" أولي نحو بناء تعاون عسكري أشمل، خصوصاً أن مصر تمتلك خبرة صناعية دفاعية تراكمت على مدى عقود، في حين يتوفر المغرب على طموحات استراتيجية لجعل أراضيه منصة إقليمية للتصنيع والتوزيع، تربط إفريقيا بأوروبا.

الدافع: الأمن القومي أولاً

هذا التقارب لا يمكن فصله عن سياق دولي يشهد تغيّراً كبيراً في موازين القوى، وعودة "عقيدة التحالفات" كآلية دفاعية جديدة. فالمغرب ومصر، بوصفهما قوتين إقليميتين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يواجهان تحديات أمنية متنامية، بعضها داخلي وبعضها يتجاوز الحدود، كالإرهاب، والتوترات الإقليمية، وسباق التسلح المتصاعد في المنطقة.

ويبرز في هذا السياق إدراك مشترك بين الرباط والقاهرة بأن الأمن القومي لم يعد شأناً داخلياً محضاً، بل قضية تتطلب تنسيقاً إقليمياً متقدماً، خاصة في ظل التداخل المتزايد بين المصالح الجيو-استراتيجية والأمنية والاقتصادية.

المغرب ينفتح ومصر تصدر الخبرة

المغرب من جهته، اختار منذ سنوات سياسة تنويع الشركاء في مجال التسلح والصناعات الدفاعية، متعاملاً مع الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا، تركيا، وإسرائيل. وبات اليوم يبحث عن شراكات ذات بعد صناعي وتكنولوجي أعمق، قادرة على تقليص تبعيته للخارج في مجال المعدات والصيانة، وهو ما يجعل من التجربة المصرية خياراً واعداً، خاصة أن مصر تشهد منذ سنوات طفرة كبيرة في مجال التصنيع العسكري بشراكات متنوعة، تشمل الصين وروسيا وكوريا الجنوبية وألمانيا.

وفي هذا الإطار، يُنظر إلى مصر كمصدر ممكن لنقل التكنولوجيا والتكوين العسكري للمغرب، بينما يُشكل السوق المغربي بوابة محتملة للمنتجات العسكرية المصرية نحو القارة الإفريقية.

الاقتصاد أيضاً في صلب التحالف

بعيداً عن الطابع العسكري، فإن هذه الدينامية تعكس أيضاً رغبة متبادلة في تعزيز الروابط الاقتصادية. فقد جاء التعاون العسكري بعد أسابيع فقط من إطلاق المنتدى المغربي المصري للاستثمار والتجارة، وهي خطوة تشير إلى وجود مقاربة شاملة تسعى لخلق تكامل استراتيجي بين البلدين، يتجاوز الرد على التحديات الآنية نحو بناء محور إقليمي متعدد الأبعاد.

نحو تكتل مغاربي-شرقي؟

في نهاية المطاف، يرى مراقبون أن ما يجري بين الرباط والقاهرة قد يكون نواة لتحالف إقليمي جديد، قادر على لعب أدوار أكبر في خضم عالم يعاد تشكيله على أساس توازنات جديدة. فإذا نجح البلدان في تفعيل مشاريع مشتركة في المجالين الدفاعي والاقتصادي، فإنهما سيكونان في وضع يؤهلهما لقيادة تكتل شمال إفريقي-شرقي قوي، قادر على الدفاع عن مصالحه بقرار مستقل.

الواقعية بدل الشعارات

في عالم تزداد فيه الضغوط على الدول المتوسطة والصاعدة، لا مكان للشعارات الفضفاضة. لذلك، يبدو أن الرباط والقاهرة اختارتا الواقعية والتكامل كطريق لبناء تحالفات مستدامة مبنية على المصالح، لا فقط على العواطف أو المواقف العابرة.

وإذا ما نجحت هذه الدينامية، فإنها قد تشكل نموذجاً جديداً للتعاون بين دول الجنوب، في وقت تبدو فيه التكتلات التقليدية في حالة انكماش أو فقدان للبوصلة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك