
بقلم: مصطفى شكري
يشهد المغرب اليوم
مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مع تحولات سياسية عميقة،
في وقت أصبح فيه جيل الشباب الجديد المعروف بجيل Z لاعبًا محوريًا في المشهد الاجتماعي
والسياسي. هذه المرحلة تتطلب قراءة نقدية دقيقة لفهم العوامل التي تهدد السلم
الاجتماعي وفرص الحفاظ عليه، مع التركيز على دور الدولة والأحزاب السياسية
والإعلام الرقمي والمبادرات الشبابية.
السلم الاجتماعي في المغرب ليس مجرد غياب للاحتجاجات أو اضطرابات عابرة، بل هو حالة ديناميكية تتأثر بالاقتصاد والتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية والحوار المدني والسياسي. الدولة المغربية نجحت عبر عقود في الحفاظ على استقرار نسبي مقارنة ببعض دول المنطقة مستفيدة من هياكلها القوية والسلطة المركزية، لكن هذا الاستقرار ليس مضمونًا بالكامل.
على الرغم من البرامج التنموية والخدمات الاجتماعية مثل راميد والتعليم
والصحة، تبقى مطالب الشباب والمناطق المهمشة غير مستوفاة، ما يزيد من الإحباط
الشعبي والاحتقان الاجتماعي ويجعل الاحتجاجات أحيانًا الوسيلة الوحيدة للتعبير عن
المطالب المشروعة. التأخر في تنفيذ المشاريع وضعف الشفافية يجعل الدولة أحيانًا متأخرة
في قراءة التحولات الرقمية والاجتماعية، ويترك فراغًا تتسرب منه التوترات إلى
الشارع.
جيل Z في المغرب ليس مجرد فئة عمرية، بل يمثل قوة اجتماعية رقمية واحتجاجية محركًا أساسيًا للتغيير الاجتماعي والسياسي. يتميز بوعي رقمي وسياسي متقدم ويعبر عن مطالبه عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاحتجاجات المباشرة، كما يعتمد على المبادرات المستقلة لتنظيم حركات احتجاجية ومبادرات تنموية بعيدًا عن الأحزاب التقليدية. البطالة والفرص المحدودة تجعل الشباب في حالة تململ دائم، ما يعكس أزمة النمو الاقتصادي والتوزيع العادل للثروات، ويجعله يبحث عن حلول عملية ومباشرة بعيدًا عن الوساطة التقليدية.
الاحتجاجات التي شهدتها الدار
البيضاء وفاس ومراكش خلال الأعوام الأخيرة ضد البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة،
وكذلك المبادرات الشبابية لتحسين التعليم وتنظيف الأحياء في الريف وسوس، أظهرت
قدرة الشباب على حل مشاكل المجتمع بشكل مستقل بعيدًا عن تدخل الدولة المباشر. هذا
الجيل أصبح مقياسًا حقيقيًا لصحة السلم الاجتماعي؛ إن استجابت الدولة لمطالبه بشكل
سريع وفعال فإن هذا يعزز الاستقرار، وإن تجاهلته قد يؤدي إلى توترات تتفاقم بسرعة.
الأحزاب السياسية
المغربية لعبت دائمًا دورًا مزدوجًا في السلم الاجتماعي، فبينما تركز بعض الأحزاب
الإخلبية على الاستعراض الإعلامي واللعب على احتجاجات الشباب دون تقديم حلول
ملموسة، ما يؤدي إلى تصعيد التوترات، هناك أحزاب المعارضة الفعالة التي تمتلك
برامج واضحة وتشارك في الحوار المدني والمؤسساتي، فتستطيع أن تكون جسرًا بين
الدولة والشباب وتعزز الاستقرار الاجتماعي. ضعف الأحزاب التقليدية في فهم التحولات
الرقمية والاجتماعية ترك فراغًا استغله الشباب عبر مبادراتهم المستقلة، كما أن
غياب التنسيق بين الدولة والأحزاب حول دمج الشباب في السياسات الوطنية يضع السلم
الاجتماعي تحت ضغط دائم.
الاقتصاد المغربي
يعاني من مشاكل هيكلية تؤثر بشكل مباشر على السلم الاجتماعي. البطالة المتزايدة
خصوصًا بين الشباب تولد إحباطًا واسعًا، والفقر والتفاوت الجهوي بين المدن الكبرى
والمناطق المهمشة مثل الريف وسوس وبعض مناطق الأطلس يزيد من شعور الإقصاء، كما أن
البرامج الحكومية مثل راميد أو المبادرات التنموية المحلية، رغم أهميتها، لا تغطي
جميع الفئات ولا تترجم دائمًا إلى فرص ملموسة للشباب. هذا الواقع الاقتصادي يشكل
مخزنًا دائمًا للاحتقان الاجتماعي ويؤكد أن السلم الاجتماعي لا يمكن أن يعتمد على
الأمن وحده، بل على معالجة جذور المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
الإعلام الرقمي ووسائل
التواصل الاجتماعي أصبحت الساحة الأولى للتعبير عن الاحتجاج والمطالب، حيث يمكن
للشباب تنظيم الحراك بسرعة وفعالية، وتصبح الدولة أمام تحدٍ مزدوج بين الحفاظ على
الأمن والنظام، والاعتراف بصوت الشباب والتعددية الرقمية. الحملات الرقمية ضد
ارتفاع أسعار المحروقات وتحويلها إلى مسيرات في الشارع خلال أيام قليلة، بالإضافة
إلى المبادرات الشبابية لدعم التعليم والمجتمع المدني، أظهرت قدرة الشباب على ملء
الفراغ الذي تخلّفه الدولة أو الأحزاب التقليدية.
المغرب يعيش مرحلة
حرجة من التوازن الاجتماعي والسياسي، حيث تحاول الدولة الحفاظ على النظام
والاستقرار لكنها تتعثر أحيانًا أمام مطالب الشباب ومحدودية الفرص الاقتصادية.
يمثل جيل Z فرصة
للتغيير، لكنه أيضًا مؤشر على الاحتقان الاجتماعي إذا لم يتم إشراكه بشكل فعال.
الأحزاب الإخلبية تزيد الاحتقان، بينما الأحزاب المعارضة الفعالة يمكن أن تكون
دعامة للسلم الاجتماعي. السلم الاجتماعي في المغرب ليس مجرد غياب للاحتجاجات، بل
نتيجة توازن مستمر بين استجابة الدولة لمطالب المواطنين، تطوير الاقتصاد، وإشراك
الشباب
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك