فرنسا تزحف نحو الجنوب الليبي..مناورة استراتيجية أم حسابات نفطية؟

فرنسا تزحف نحو الجنوب الليبي..مناورة استراتيجية أم حسابات نفطية؟
تقارير / الثلاثاء 04 مارس 2025 - 10:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس

في تحرك عسكري يثير العديد من التساؤلات حول نوايا باريس الحقيقية في شمال إفريقيا، أفادت تقارير صحافية بأن فرنسا تسعى لتعزيز وجودها العسكري في جنوب ليبيا، على الحدود مع النيجر. هذه الخطوة تأتي في وقت بالغ الحساسية، إذ تتزامن مع زيارة المشير خليفة حفتر، القائد العام للقوات المسلحة الليبية، إلى باريس، حيث التقى بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

زيارة حفتر.. هل كانت تمهيدًا لصفقة عسكرية؟

زيارة حفتر إلى الإليزيه لم تكن مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر، بل تحمل في طياتها رسائل استراتيجية واضحة، خاصة أن باريس كانت دائمًا داعمًا رئيسيًا للجنرال الليبي في مواجهة القوى المتصارعة داخل البلاد. اللقاء بين ماكرون وحفتر يفتح الباب أمام فرضية أن فرنسا تبحث عن شراكة عسكرية جديدة في الجنوب الليبي، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول الأهداف الحقيقية لهذا التوجه الفرنسي.

لطالما كان جنوب ليبيا نقطة ساخنة للصراعات الإقليمية والدولية، حيث تسيطر عليه مجموعات مسلحة وقبائل متنافسة، إضافة إلى كونه طريقًا رئيسيًا لتهريب الأسلحة والبشر. هذا الوضع المعقد يجعله ساحة مثالية لتدخل القوى الكبرى، خاصة مع التغيرات الجيوسياسية التي يشهدها الساحل الإفريقي بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، عقب الانقلابات العسكرية التي أطاحت بالحكومات المتحالفة مع باريس.

حدود النيجر.. العقدة الفرنسية الجديدة في إفريقيا

إحدى الدوافع الرئيسية وراء التحرك الفرنسي نحو جنوب ليبيا، هو البحث عن موطئ قدم جديد قرب النيجر، بعدما فقدت باريس نفوذها التقليدي في نيامي عقب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، الحليف القوي لفرنسا. خروج القوات الفرنسية من النيجر منح فرصة ذهبية لموسكو من خلال مجموعة "فاغنر"، التي سارعت إلى ملء الفراغ، مما شكل ضربة قوية لنفوذ باريس في المنطقة.

بالنسبة لماكرون، فإن فقدان السيطرة على النيجر لا يعني التخلي عن المصالح الاستراتيجية لفرنسا في منطقة الساحل، خصوصًا مع وجود مصالح اقتصادية ضخمة، مثل إمدادات اليورانيوم الذي تعتمد عليه فرنسا في تشغيل مفاعلاتها النووية. لذلك، قد يكون التوجه نحو الجنوب الليبي محاولة لتعويض الخسائر الجيوسياسية وإعادة ترتيب الأوراق العسكرية في المنطقة.

النفط والحدود.. الرهانات الفرنسية في ليبيا

إضافة إلى المخاوف الأمنية، فإن فرنسا ترى في جنوب ليبيا فرصة اقتصادية مغرية، فهذه المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية لم يتم استغلالها بالكامل بسبب الاضطرابات الأمنية. وبالتالي، فإن أي تحرك عسكري في الجنوب قد يساعد باريس على تأمين حصتها في مشاريع الطاقة الليبية، خاصة أن شركات مثل "توتال" تسعى لتعزيز وجودها في قطاع النفط والغاز داخل البلاد.

كما أن السيطرة على الحدود الليبية مع النيجر وتشاد قد تمنح فرنسا قدرة أكبر على ضبط حركة الهجرة غير الشرعية، وهو ملف حساس بالنسبة لأوروبا بأكملها، خاصة بعد تصاعد التيارات اليمينية المتطرفة في فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، التي تطالب بإجراءات صارمة لمنع تدفق المهاجرين الأفارقة نحو القارة العجوز.

موقف حفتر.. هل يمنح الضوء الأخضر؟

المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق وجنوب ليبيا، يجد نفسه أمام معادلة معقدة، فهو يحتاج إلى الدعم الفرنسي لتقوية نفوذه العسكري والسياسي، لكنه في الوقت نفسه لا يريد استفزاز القوى الأخرى في ليبيا، وخاصة حكومة طرابلس المدعومة من تركيا. كما أن هناك حسابات إقليمية دقيقة، حيث تسعى روسيا وإيطاليا وتركيا لتعزيز وجودها في ليبيا، مما يجعل أي اتفاق بين حفتر وفرنسا محفوفًا بالمخاطر.

ومع ذلك، فإن حاجة حفتر إلى الاعتراف الدولي والدعم العسكري قد تدفعه إلى تقديم تنازلات لصالح باريس، مقابل حصوله على تجهيزات عسكرية ودعم لوجستي يساعده في تعزيز نفوذه داخل ليبيا.

هل ستقبل القوى الإقليمية بهذا التوسع الفرنسي؟

أي تدخل عسكري فرنسي في جنوب ليبيا لن يمر دون ردود فعل إقليمية ودولية، فهناك أطراف أخرى مثل روسيا وتركيا والولايات المتحدة، لديها مصالح مباشرة في الملف الليبي. موسكو، على سبيل المثال، لا تزال تعتمد على قوات فاغنر للضغط على اللاعبين الإقليميين، بينما تسعى تركيا إلى تعزيز تحالفها مع حكومة طرابلس.

كما أن الجزائر، التي تعتبر جنوب ليبيا منطقة حساسة لأمنها القومي، قد تنظر بعين الريبة إلى أي تحرك عسكري فرنسي قرب حدودها، خاصة بعد التوترات الأخيرة بين البلدين حول عدة ملفات، بما فيها الأزمة في النيجر والدور الفرنسي في الساحل الإفريقي.

المشهد المقبل.. مواجهة محتملة أم إعادة ترتيب النفوذ؟

التحركات الفرنسية في الجنوب الليبي تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التنافس الدولي في شمال إفريقيا، حيث تسعى باريس إلى تعويض خسائرها الاستراتيجية بعد سلسلة الانسحابات من الساحل. ومع ذلك، فإن أي مغامرة عسكرية في ليبيا قد تواجه تحديات أمنية وسياسية معقدة، خاصة مع وجود قوى إقليمية ودولية مستعدة لمواجهة النفوذ الفرنسي المتزايد.

يبقى السؤال الكبير: هل ستتمكن فرنسا من فرض وجودها العسكري الجديد دون إشعال صراعات إضافية في ليبيا؟ أم أن هذه الخطوة ستكون بداية لمرحلة جديدة من التوترات الإقليمية؟ الأيام القادمة كفيلة بكشف المزيد من التفاصيل حول هذه المعادلة الجيوسياسية المعقدة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك