أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/إيطاليا
يواجه ذوو
الاحتياجات الخاصة في المغرب أوضاعًا صعبة بسبب التهميش الذي يعانون منه في سوق
العمل، سواء في القطاع العمومي أو الخاص، مما يجعلهم في كثير من الأحيان عبئًا على
أنفسهم وأسرهم، فرغم أن بعضهم حاصل على شهادات عليا بمعدلات تفوق أقرانهم الأصحاء،
إلا أن فرصهم في التوظيف تظل ضئيلة، في ظل غياب سياسات واضحة لإدماجهم داخل
المؤسسات والشركات.
الحكومة
المغربية تبدو غير مبالية بهذا الملف، حيث لا توجد إجراءات صارمة تفرض على
المؤسسات العمومية أو الخاصة تخصيص نسبة من مناصب الشغل لهذه الفئة، كما هو معمول
به في العديد من الدول الأوروبية والغربية، وفي الوقت الذي تُخصص فيه إعانات مالية
شهرية لذوي الاحتياجات الخاصة في أوروبا، سواء كانوا قادرين على العمل أو غير
قادرين، يفتقر المغرب إلى مثل هذه الآليات التي تضمن لهم الحد الأدنى من العيش
الكريم.
المثير
للقلق أن حتى في المباريات القليلة التي يتم فتحها لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة،
تواجه هذه الفئة عقبات كثيرة، منها غياب التكييف اللازم للامتحانات، وعدم احترام
نسبة التوظيف التي يُفترض أن تخصص لهم، مما يجعل اندماجهم المهني مجرد شعارات أكثر
منه واقعًا ملموسًا، وفي القطاع الخاص، تعاني هذه الفئة من رفض شبه كلي، بحجة عدم
قدرتهم على مسايرة متطلبات العمل، رغم أن الواقع أثبت أن الكثير منهم قادرون على
الإنتاج بكفاءة تفوق غيرهم.
إلى
جانب مشكلة التشغيل، تعاني هذه الفئة من انعدام أي مساعدات مالية دورية تضمن لهم
الاستقلالية، حيث لا توجد تعويضات كافية تُمكّنهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية،
فبينما يحصل ذوو الاحتياجات الخاصة في دول أخرى على رواتب شهرية تُمكنهم من العيش
بكرامة، يضطر الكثير منهم في المغرب إلى التسول أو الاعتماد الكلي على أسرهم، مما
يضاعف من معاناتهم النفسية والاجتماعية.
غياب
البنية التحتية المناسبة يزيد من عزلتهم، حيث تفتقر أغلب المدن المغربية إلى
تجهيزات تراعي خصوصياتهم، سواء في وسائل النقل أو في الإدارات والمؤسسات العامة،
هذا الوضع يحد من حركتهم ويجعل ممارسة حياتهم اليومية أكثر صعوبة، مما يعزز فكرة
أنهم فئة مهمشة غير معترف بها في السياسات الحكومية.
التمييز
ضدهم لا يقتصر على سوق الشغل فقط، بل يمتد إلى مجالات أخرى مثل التعليم والصحة،
حيث يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة من نقص في التخصصات الطبية التي تلبي احتياجاتهم،
ومن عدم توفر مؤسسات تعليمية كافية قادرة على استقبالهم وتقديم تكوين يتناسب مع
قدراتهم، ما يجعل نسبة كبيرة منهم خارج المنظومة التعليمية منذ الصغر.
في ظل
هذه الظروف، أصبح من الضروري إعادة النظر في السياسات المعتمدة تجاه هذه الفئة، من
خلال تفعيل قوانين تُلزم المؤسسات بتوظيفهم، وإنشاء صناديق دعم توفر لهم مساعدات
مالية تحميهم من الفقر والتهميش، كما يجب العمل على تحسين البنية التحتية لضمان
اندماجهم في المجتمع، بدل تركهم يعانون في صمت.
تجارب
دولية عديدة أثبتت أن الاستثمار في دمج ذوي الاحتياجات الخاصة يعود بالنفع على
المجتمع ككل، حيث إن توفير فرص العمل لهم يجعلهم قادرين على الإنتاج والمساهمة في
التنمية، بدل أن يكونوا عالة على الدولة، في المغرب، لا تزال هذه الرؤية غائبة،
وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية
والمساواة.
المجتمع
المدني وبعض الجمعيات حاولوا تسليط الضوء على معاناة هذه الفئة، لكن دون جدوى، في
ظل غياب استجابة فعلية من الجهات الرسمية، وبينما تتفاخر الحكومة ببرامج اجتماعية
متعددة، يبقى ذوو الاحتياجات الخاصة خارج الحسابات، ما يجعلهم أكثر الفئات تضررًا
من غياب العدالة الاجتماعية في البلاد.
يبقى الأمل معلقًا في أن تستيقظ الحكومة من
سباتها، وتنظر في شأن هذه الفئة التي تعاني في صمت رهيب ممزوج بحلم العيش الكريم
ومرارة الواقع الأليم .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك