أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
مع دخول قانون المسطرة الجنائية حيّز التنفيذ اليوم الإثنين 8 دجنبر الجاري، خرجت "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان" لتحذّر من أن النصّ الجديد ليس سوى إطار قانوني مثقل بالثغرات، يهدد فعالية مكافحة الفساد، ويضيّق على المجتمع المدني، ويخلف أسئلة مؤرقة حول العدالة التصالحية وحماية الضحايا وإدماج مقاربة النوع.
ديباجة باهتة وعاجزة عن مواكبة روح الدستور
اعتبرت المنظمة المذكورة، أن الديباجة الجديدة فقدت جوهرها الإصلاحي، إذ لم تُكرّس مركزية الحقوق والحريات كما ينص عليها الدستور، ولم تُشر بوضوح للاتفاقيات الدولية، ولا لمبدأ المجانية والتعويض والحق في الصمت.
فبالنسبة للمنظمة الحقوقية، الديباجة كانت فرصة ضائعة لإحداث تحول حقيقي في فلسفة العدالة المغربية.
حراسة نظرية واعتقال احتياطي خارج منطق الضمانات
النصّ الجديد حسب مذكرة الهيأة الحقوقية، حافظ على إشكالات بنيوية تمس الحرية الفردية وحقوق الدفاع.
فإجراءات الحراسة النظرية ما تزال محاطة بشبهات المساس بالضمانات، بينما يبقى الاعتقال الاحتياطي أحد أخطر الإجراءات التي تُمارس ضد الأفراد، ويستوجب ترشيداً صارماً وتقليصاً في المدد وتعليلاً للقرارات، مع توفير آليات فعالة للطعن فيها واستبدالها بتدابير بديلة.
ضرب لحقوق الدفاع وتقليص غير مبرّر لحق الاطلاع
توقفت "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان"، عند مقتضيات المادة 139، معتبرة أنها تفرّغ ضمانات المحاكمة العادلة من مضمونها.
إذ تحرم الدفاع من نسخ المحاضر ووثائق الملف إلا بشروط معقدة، وهو ما ترى فيه تهديداً مباشراً لحق أصيل يجب ألا يخضع لأي قيد أو استثناء.
مسطرة التسليم تحت رحمة مخاطر التعذيب
المذكرة انتقدت كذلك بشدة، ما وصفته بغياب إصلاح شامل لمسطرة التسليم، رغم حساسيتها المرتبطة بخطر التعرض للتعذيب وسوء المعاملة.
كما حذرت المنظمة، من أن القواعد الحالية لا تضمن تقييماً مستقلاً وجاداً لمخاطر الانتهاكات، التي قد يتعرض لها الشخص المُسلَّم.
تعديل المادة 3 خفضٌ لمنسوب الرقابة على المال العام
التعديل الذي طال المادة 3 اعتبرته المنظمة خطوة خطيرة تُفرغ القضاء من صلاحياته الرقابية في الجرائم المالية، وتتناقض مع الدستور والالتزامات الدولية، وقد تجعل مكافحة الفساد مجرد شعار.
وذكّرت المنظمة المغربية، بأن الاستثناء المتعلق بحالة التلبس شبه مستحيل التطبيق في الجرائم المالية بطبيعتها غير العلنية.
تضييق جديد على المجتمع المدني
عبرت المنظمة الحقوقية، عن رفضها للحد من قدرة الجمعيات على الانتـصاب كطرف مدني، معتبرة أن ذلك يفرغ أدوار المجتمع المدني من معناها ويعطل آليات المشاركة المواطنة التي جاء بها دستور 2011.
ورغم ذلك، تؤكد أن التبليغ عن الجرائم المالية، ما يزال متاحاً للأفراد والجمعيات لدى الهيئة الوطنية للنزاهة.
قانون يتحدّث عن الرقمنة ويمارس الورقية
رغم الخطاب الرسمي حول “التحول الرقمي”، يؤكد التقرير أن المسطرة ما تزال رهينة الوسائل التقليدية، من سجلات الحراسة النظرية إلى التوثيق اليدوي، ما يجعل العدالة الجنائية أقل شفافية وفعالية، ويطرح سؤالاً كبيراً حول مبدأ المحاكمة العادلة.
توصيات واضحة وإرادة سياسية غائبة
اختتمت "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان" توصياتها، بالدعوة إلى تقييد الإجراءات السالبة للحرية، وتعزيز دور قاضي التحقيق، وتمكين الفاعلين المدنيين، ودعم المقاربة الاجتماعية والنوعية في السياسة الجنائية، مع ضرورة سد الخصاص المهول في عدد القضاة، وتسريع الرقمنة.
مؤكدة أن أي تفعيل حقيقي لهذا القانون، يحتاج إلى إرادة سياسية تتجاوز التجميل التقني للنصوص نحو رؤية تجعل العدالة في صلب الإصلاح، لا هامشه.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك