أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
أعاد التحقيق الاستقصائي الذي نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى الضوء أحداث ليلة 30 شتنبر وحتى فجر أول أكتوبر في مدينتي القليعة ووجدة، حيث تحولت شوارع المنطقة الشرقية إلى مسرح مأساوي للغموض والعنف. التحقيق يكشف عن وفاة ثلاثة شباب وإصابة آخرين بجروح بليغة بعد تدخل أمني وصفته الصحيفة بـ"العنيف وغير المبرر"، ويطرح تساؤلات حادة حول تجاوزات قوات الأمن وتناقض الرواية الرسمية.
خمسة شباب، بينهم عبد الصمد أوبلا وعبد الحكيم الدرفيضي ومحمد الرحالي وأمين بوسعادة والطيبي عبد الغفور، وجدوا أنفسهم في قلب مواجهات انتهت بمآسٍ إنسانية بعد تدخل قوات الأمن، في أحداث رصدها التحقيق الفرنسي عبر شهادات عائلات الضحايا، مقاطع فيديو، ونماذج ثلاثية الأبعاد لمواقع الحوادث.
تبدأ خيوط الأحداث قرب جامعة محمد الأول بوجدة، حيث خرج محتجون مرتبطون بحركة "جيل زد" في تجمعات سلمية، قبل أن تصدم سيارة شرطة أحد الشبان بشكل مباشر، ما أطلق سلسلة من حوادث الدهس والإصابات. مقاطع الفيديو التي حصلت عليها لوموند تظهر أمين بوسعادة مصاباً بجروح خطيرة جراء الدهس، ونُقل لاحقاً لتلقي العلاج في الرباط بعد أن ظل في حالة حرجة لأيام. كما وثقت لقطات أخرى إصابة الطيبي عبد الغفور بالقرب من مستشفى المدينة، بعد اصطدامه بسيارة شرطة أثناء محاولته مساعدة شخص آخر.
التحقيق يكشف استخدام القوة المفرطة في أكثر من موقع، وعمليات دهس لم تتضح مبرراتها، في مقابل رواية رسمية تدعي أن التدخل كان دفاعياً لحماية الأمن. المقاطع والصور التي أرفقتها السلطات نفسها لا تكفي لتوضيح حقيقة ما حصل، بينما يعتمد تحقيق لوموند على تحليل ميداني دقيق، ومراجعة ثلاثية الأبعاد للقطات، لإعادة بناء دقائق الحوادث، التي بينت أن الدهس وقعت في ساعات مختلفة بين السابعة مساء والتاسعة ليلاً، في مشاهد فوضوية لا تظهر فيها تهديدات مباشرة.
بين شوارع القليعة، مستشفيات وجدة، ومسار العلاج في الرباط، يظهر التحقيق صورة مروعة لشباب في مقتبل العمر يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع قوة أمنية خارجة عن السيطرة، في حين تبقى الأسئلة الأكثر إلحاحاً: هل كان تدخل قوات الأمن متناسباً؟ ولماذا تُظهر الفيديوهات عمليات دهس متوالية رغم عدم وجود تهديد مباشر؟
التحقيق يضع الواقع أمام الجمهور بكل قسوة: الرواية الرسمية والصور الميدانية متناقضة، الحقائق جزئية، والضحايا ينتظرون العدالة، في حين تستمر الأسر في التشبث بأمل معرفة الحقيقة كاملة. أحداث القليعة ووجدة لم تعد مجرد حادثة ميدانية، بل تحوّلت إلى اختبار حقيقي للنظام القضائي والأمني، ولقدرة السلطات على تقديم تفسيرات شفافة ومسؤولة لما جرى في تلك الليلة المضطربة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك