المغرب يدخل زمن "البوليس" الشامل..حين يتحوّل الأمن إلى سلطة فوق الدولة

المغرب يدخل زمن "البوليس" الشامل..حين يتحوّل الأمن إلى سلطة فوق الدولة
ديكريبتاج / الخميس 27 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

لم تعد مؤسسات الدولة السياسية والإدارية هي التي تشكّل الصورة العامة للمغرب لدى المواطنين، بل أصبحت أجهزة الأمن والمخابرات هي الواجهة الفعلية والعملية التي يصطدم بها المغاربة يومياً. في الشارع، في الإدارات، في الفضاء الرقمي، وفي التجمعات العامة…

وتظهر هذه الأجهزة باعتبارها اليد التي تُدير الواقع، وتحدد الحدود الفاصلة بين ما هو مسموح وما هو ممنوع، بين من يُعتبر مواطناً صالحاً ومن يُصنّف في خانة المراقبة والاشتباه، وحتى "الخيانة".

من دولة المؤسسات إلى دولة الأجهزة

بعد سنوات من الحديث الرسمي عن “الدولة الاجتماعية”، يجد المواطن نفسه أمام واقع مختلف، حيث دولة تتوسع فيها صلاحيات الأمن بشكل غير مسبوق، ويترسخ فيها حضور المخابرات كفاعل سياسي غير مُعلن، تتحكم في المجال العام وتعيد تشكيله وفق منطق الضبط والسيطرة.

فجل القرارات الحاسمة تمر عبر القنوات الأمنية، والنقاشات الحساسة تتوقف عند حدود “السخط المسموح به”، فيما تتحرك الآلة البوليسية بثقة مطلقة، بلا رقابة فعلية ولا مساءلة مؤسساتية.

حياة يومية تحت أعين المخابرات:رقابة، تتبّع، ومنع ممنهج

تزايد حضور الأمن في مشاهد الحياة اليومية يكشف ملامح الدولة البوليسية بوضوح:

• متابعة النشطاء والصحافيين والباحثين، ومحاصرة أي صوت نقدي.

• تدخلات عنيفة ضد الاحتجاجات السلمية في الشوارع والجامعات.

• توسيع هائل في شبكات المراقبة الرقمية، وتحويل منصات التواصل إلى فضاء مرصود بدقة.

• إعادة إنتاج الخوف كأداة حكم، بدل الثقة السياسية أو الحوار الاجتماعي.

هذه السياسات تُظهر أن الأمن لم يعد مجرد جهاز وظيفته حماية الاستقرار، بل أصبح بنية تبتلع تدريجياً كل ما تبقى من فضاءات الحرية.

الدولة البوليسية:حقيقة تتجاوز الخطاب الرسمي

لم يعد وصف “الدولة البوليسية” مجرد شعار راديكالي، بل أصبح توصيفاً دقيقاً لما يعيشه المواطن المغربي يومياً، حيث دولة تتقدم فيها الأجهزة الأمنية على المؤسسات المنتخبة، ويتحول فيها القانون إلى أداة استثناء، ويُعامل فيها المواطن كموضوع للمراقبة قبل أن يكون حاملاً لحقوق دستورية.

إن التوسع غير المسبوق في نفوذ أجهزة الأمن والمخابرات يعكس تحوّلاً عميقاً في بنية الحكم، حيث لم تعد السلطة تُمارس باسم الدولة، بل باسم الأجهزة.

صورة الدولة تُصنع في الشارع لا في الخطب

صورة المغرب في نظر مواطنيه لا تصنعها البيانات الحكومية ولا شعارات التنمية، بل يُنتجها الاحتكاك اليومي بالسلطة:

عون سلطة يتصرف كحاكم، شرطي يقرر ما هو “مخل بالنظام” وما هو “خط أحمر”، مخابرات تقود المشهد من خلف الستار، ومسؤولون سياسيون يتحركون داخل هامش رسمته الأجهزة قبل أن يرسّمه القانون.

وهكذا يصبح الأمن، بكل سلطته وأدواته وامتداداته، هو الدولة الفعلية، بينما يتحول المواطن إلى هدف دائم للضبط والسيطرة، في دولة بوليسية مكتملة الأركان، مهما حاول الخطاب الرسمي تجميل الواقع أو تغليفه بشعارات “الإصلاح”، “التحديث”، و"التنمية البشرية".

ختاما، الدولة المغربية تدخل مرحلة جديدة:دولة الأجهزة أولاً، وما تبقى من المؤسسات مجرد ديكور يرافق زمن البوليس الشامل.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك