أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
في سابقة سياسية مثيرة للجدل، قال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت أمام لجنة الداخلية اليوم الخميس 20 نونبر الجاري، إن وزارته عازمة على “منع وصول أشخاص تحوم حولهم شبهات” إلى مجلس النواب، عبر مقتضيات قانونية جديدة ضمن مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25.
هذا، وفجر التصريح المذكور نقاشاً واسعاً حول حدود التخليق، وحدود تدخل الدولة في هندسة المشهد النيابي.
إعلان وزاري أم إعلان مرحلة جديدة؟
شدّد لفتيت على أن حماية صورة البرلمان “خط أحمر”، وأن القانون الجديد “أقصى ما يمكن فعله” لوقف ما يصفه بـ“الشبهات” التي تلاحق عدداً من النواب الحاليين والسابقين.
وأشار الوزير، بلهجة غير معهودة، إلى أن الداخلية “تعرف عدد النواب المتابعين قبل أو بعد وصولهم إلى البرلمان”، في إشارة تُقرأ لدى كثيرين كتسريب مقصود لمعطى خطير يهم مصداقية المؤسسة التشريعية.
القوانين الجديدة:تخليق فعلي أم رقابة سياسية؟
المقتضيات التي تطرحها الداخلية تتضمّن إسقاط أهلية الترشح عن:
كل من صدر ضده حكم ابتدائي في ملف جنائي.
كل من صدر ضده حكم استئنافي في ملف جنحي.
كل من توبع في حالة تلبّس.
هذه المعايير يُنظر إليها رسمياً كـ"إجراءات منطقية" لحماية المجلس، لكن منتقدين يرون أنها قد تفتح الباب أمام استعمال المتابعات أو التكييفات القانونية كوسيلة لإقصاء منافسين سياسيين قبل وصولهم إلى الصندوق.
شبهات أم سوابق؟من يملك سلطة تحديد "النظيف" و"غير النظيف"؟
يؤكد الوزير أن الأمر “ليس منعاً من ممارسة السياسة”، لكن مراقبين يعتبرون أن التجارب الدولية التي تحدث عنها لفتيت تُستعمل غالباً في سياقات توازن ديمقراطي قوي، بينما السياق المغربي يعرف هيمنة السلطة التنفيذية والأجهزة على قواعد التنافس السياسي.
وهنا يطرح السؤال الجوهري:من يحدد الشبهة؟ ومن يحسم في أهلية المترشح قبل أن يحسم فيها القضاء نهائياً؟
موظفو الداخلية:تضارب المصالح أم إقصاء فئة كاملة؟
تعديل آخر أثار الجدل يتعلق بمنع موظفي وزارة الداخلية من الترشح للبرلمان، حيث برر الوزير القرار بـ“تفادي أي شبهة” وبأن لا تكون الداخلية “خصماً وحَكَماً”.
غير أن هذا المنع، قد يُقرأ أيضاً كآلية لضبط التوازنات داخل المجالس المنتخبة، عبر إقصاء فئة لطالما لعبت دوراً محورياً في الانتخابات المحلية والوطنية.
ازدواجية المناصب:خطوة إلى الوراء؟
لفتيت اعترف بأن منع الجمع بين رئاسة جماعات كبرى وعضوية مجلس النواب في الانتخابات الأخيرة “لم يقدم أي فائدة”، مؤكداً أن غياب عمداء مدن كبرى كالرباط وطنجة “أفقر النقاش التشريعي”.
هذا التراجع يطرح تساؤلات حول مدى استقرار الرؤية الإصلاحية داخل وزارة الداخلية، وإلى أي حد تخضع هذه التعديلات لمنطق ضبط النفوذ بدل منطق الإصلاح المؤسساتي.
تخليق العملية السياسية أم التحكم فيها؟
التوجه الجديد لوزارة الداخلية، قد يكون في جانبه المعلن محاولة جدية لتخليق الحياة السياسية، خصوصاً في ظل كثرة الملفات القضائية المرتبطة بمنتخبين.
لكن الخشية الكبرى، تكمن في تحوّل القوانين من أدوات للتخليق إلى أدوات لفرز سياسي مسبق، يحسم شكل البرلمان قبل اللجوء إلى صناديق الاقتراع.
ففي بلد ما تزال فيه السلطة التنفيذية والأجهزة تمتلك نفوذاً واسعاً في العملية الانتخابية، قد تتحوّل “محاربة الشبهات” إلى غلاف قانوني يعيد إنتاج نفس موازين القوة.
برلمان بصلاحيات محدودة وتدخلات تتسع
الرسالة السياسية لتصريحات لفتيت واضحة:
الداخلية تريد أن ترسم حدود من يدخل البرلمان ومن يُقصى، باسم حماية المؤسسة من الشبهات.
لكن السؤال الذي سيبقى مفتوحاً، هل نحن أمام إصلاح حقيقي يهدف إلى تعزيز نزاهة المؤسسات؟
أم أننا أمام هندسة سياسية جديدة تُمارس من داخل الدولة لضبط البرلمان المقبل، مؤسسة يفترض دستورياً أن تراقب الحكومة، لا أن تُفرَض عليها وصاية سياسية مسبقة؟
هذا النقاش سيكون له تأثير مباشر على شكل الاستحقاقات المقبلة، وعلى مستقبل التعددية السياسية بالمغرب.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك