أنتلجنسيا المغرب:الرباط
تأسست جمعية "إسني ن ورغ" عام 2006 على يد مجموعة من النساء والرجال المنحدرين من منطقتي سوس والصحراء، بعد تجارب ومسارات مختلفة.
اجتمع هؤلاء الشباب، الذين تلقوا تكوينا في مجالات الفن والثقافة، ليطلقوا مشروعا ثقافيا مبتكرا يحمل رؤية واضحة: أن تجوب قافلة متنقلة القرى النائية والمناطق التي تفتقر إلى العرض الثقافي، وتختتم بليلة لتتويج الإنتاج السينمائي الأمازيغي.
تقدم هذه القافلة برنامجا ثقافيا غنيا ومتنوعا، يتضمن عروضا سينمائية بحضور الممثلين والمخرجين والمنتجين والتقنيين، بالإضافة إلى ورشات تكوينية في الفنون التشكيلية، والتصوير السينمائي، والمسرح، فضلا عن ورشات موجهة خصيصا للفتيات والنساء في المناطق القروية.
ولا تخلو القافلة من عروض فنية وموسيقية يشارك فيها فنانون محليون وأعضاء فريق القافلة. امتدت مسيرة القافلة إلى العديد من القرى والمدن، من ويجان بتزنيت، إلى إشت وإمي ن أوكدير في جهة كلميم السمارة، مرورا بطاطا، ورزازات، وإيموزار إداو تنان، وأنزا وتيكوين بالقرب من أكادير. وأكثر من ثلاثين فنانا شاركوا تجاربهم وأحاسيسهم مع جمهور متعطش للفعاليات الثقافية.
شهدت الدورة الأولى، التي أقيمت بين 10 و20 أبريل 2007، ختامًا مهيبًا بليلة "إسني ن وورغ" في مسرح الهواء الطلق بأكادير، حيث وُجه تكريم خاص للمخرج الحسين بويزغارن عن فيلمه الأمازيغي "تامغرت ن وورغ".
وعرفت الدورة الثانية عام 2008 توسعًا كبيرًا في البرنامج وعدد المحطات، لتشمل مناطق متعددة في الصحراء المغربية وسوس ماسة، مع حضور جماهيري متزايد وجودة تنظيم عالية. ومنذ 2009، تحولت "إسني ن وورغ" إلى مهرجان دولي، مستضيفًا السينما السويسرية كضيف شرف، وتفتح أبوابها لاحقًا للأفلام من مختلف أنحاء العالم.
يعد مهرجان "إسني ن ورغ" الدولي للفيلم الأمازيغي من أبرز الفعاليات الثقافية والفنية التي ساهمت في إثراء المشهد السينمائي الأمازيغي، محققا إنجازات مهمة في عدة مجالات، بدأ من النشر والتأليف، حيث صدرت عنه عشرة مؤلفات تناولت السينما الأمازيغية وموضوعات متصلة بالفن السابع بلغات متعددة، منها الفرنسية والعربية والإنجليزية والأمازيغية، مما يثري المكتبة السينمائية بموارد فريدة ومتنوعة.
وعلى صعيد التكوين المهني، نظم المهرجان دورات تدريبية مكثفة بإشراف محترفين أمريكيين بالتعاون مع السفارة الأمريكية في الرباط، بالإضافة إلى ورشات بدعم من سفارات أخرى مثل السفارة السويسرية. وكان آخر هذه المبادرات دورة تكوينية حول كتابة السيناريو بإشراف السيناريست المرموق الحسين مورابيح.
وبالنظر إلى النقص الكبير في الإنتاج السينمائي الأمازيغي، أطلق المهرجان صندوقا خاصا لدعم الشباب المخرجين، أسفر عن إنتاج خمسة أفلام ضمن هذا الإطار، ما يعكس حرصه على تنمية المواهب المحلية وتشجيع الإبداع.
كما أرسى المهرجان جائزة خاصة تحمل اسم "إسني ن وورغ للتضامن"، تمنح للفنانين الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ السينما الأمازيغية. ويتنوع التكريم بين شهادات رمزية وأخرى مالية تزيد على عشرة آلاف درهم، إلا أن ضعف الدعم المالي يحد من إمكانية رفع قيمة هذه الجوائز.
وعلى الصعيد الدولي، نجح "إسني ن وورغ" في بناء شبكة من الشراكات مع مؤسسات ومهرجانات سينمائية حول العالم، من بينها لوس أنجلس، جنيف، الجزائر، ليل، وباريس، مما عزز مكانته كمرجعية رائدة للسينما الأمازيغية وأدى إلى طلب متزايد لمشاركته في فعاليات محلية ودولية.
رغم الدعم المقدم من بلدية أكادير والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وعدد من المحتضنين المحليين، يظل المهرجان يعاني من ضعف الدعم المؤسساتي، إذ لا تحظى أغلب الهيئات الرسمية بإدراج "إسني ن وورغ" ضمن أولوياتها. ولم يفقد المنظمون الشباب الأمل، بل استمروا في طلب شراكات فعلية مع المؤسسات العمومية والقطاع الخاص، لكن تعثرات سياسية وإدارية، خاصة بعد وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة، عرقلت مسيرة المهرجان. إذ فرضت دفاتر تحملات جديدة أعاقت عمل المؤسسات الثقافية الصغيرة، ما أدى إلى صدامات مع وزارة الاتصال برئاسة مصطفى الخلفي، بعد رفض المنظمين تمويلا زهيدا أثار جدلا واسعا.
اليوم، وعلى الرغم من الصعوبات المالية والإدارية، يظل مهرجان "إسني ن وورغ" منبرا ثقافيا حيويا يحمل لواء السينما الأمازيغية، ويتوج سنويا عبر مسابقات أمازيغية ودولية. وهو يستحق مكانة رسمية ودعما موسعا يمكنه من التوسع والاستمرار.
يواصل شباب "إسني ن ورغ" حراكهم النشيط، رغم فقدان جزء من الأمل، مطلقين تساؤلات مهمة حول آليات اتخاذ القرار في الدعم الثقافي، بين لجان يعينها الوزير وإدارات تقترح الأسماء والأرقام.
وقد أسس المهرجان شراكات قوية مع بلدية أكادير، جهة سوس ماسة، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لكنه ينتظر اعترافا أوسع من وزارة الثقافة والمركز السينمائي المغربي، اللذين لم يقدما الدعم الكافي حتى الآن والحكومة بصفة عامة.
في ظل تزايد الدعم لمهرجانات أخرى تقل فيها قيمة السينما، تبقى دعوة الدولة لدعم مهرجان "إسني ن ورغ" ضرورة ملحة. فهو ليس مجرد حدث فني، بل مشروع ثقافي يحمل رسالة حية للهوية الأمازيغية وموروثها السينمائي والفني، يستحق الدعم لضمان استمراريته وتأثيره.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك