أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
بينما يستعد المغرب لخوض غمار الانتخابات التشريعية لسنة 2026، تتجه الأنظار إلى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي تشير التوقعات الأولية إلى إمكانية تصدره مجددًا للنتائج، ما يفتح الباب واسعًا أمام عودة عزيز أخنوش لرئاسة الحكومة المقبلة، والتي بدأت بعض الأوساط السياسية والإعلامية تسميتها بـ "حكومة المونديال" تلميحًا إلى تزامنها مع الاستعدادات الكبرى لتنظيم كأس العالم 2030.
لكن هذا السيناريو لا يخلو من الجدل، بل يطفو على سطح سياسي واجتماعي محتقن، حيث يواجه أخنوش موجة واسعة من الانتقادات، بلغت في حدتها أحيانًا مستويات غير مسبوقة في التاريخ السياسي المغربي الحديث.
أخنوش تحت نيران الانتقادات: فشل أم ضريبة الإصلاح؟
منذ توليه رئاسة الحكومة في أكتوبر 2021، وجد عزيز أخنوش نفسه في مواجهة سيل من الانتقادات الحادة، سواء من طرف المعارضة أو حتى من داخل التحالف الحكومي. وُصف أداء حكومته بـ"الباهت"، واتُّهمت بأنها بعيدة عن هموم المواطنين الحقيقية، خاصة في ظل موجات غلاء غير مسبوقة شملت المواد الأساسية والطاقة، وارتفاع معدلات البطالة، فضلًا عن تعثر عدد من الإصلاحات الكبرى التي وعد بها برنامج "الفرصة" و"أوراش" و"الحماية الاجتماعية".
الاتحاد الاشتراكي، أحد أبرز الأصوات المعارضة، لم يتردد في تحميل أخنوش مسؤولية "إخفاقات بنيوية" طالت القدرة الشرائية والعدالة الاجتماعية، بينما اتهم حزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة بـ"استغلال السلطة الاقتصادية في المجال السياسي".
أما داخل التحالف الحكومي، فقد سجلت خلافات واضحة بين وزراء من أحزاب الاستقلال والأصالة والمعاصرة من جهة، ورئيس الحكومة من جهة أخرى، خاصة بشأن تدبير بعض الملفات الاستراتيجية كالتعليم، الفلاحة، وتمويل البرامج الاجتماعية.
الأزمة الشاملة: حكومة تُسيّر فوق بركان
لا تخفى على أحد الأزمة العميقة متعددة الأوجه التي تعيشها البلاد في السنوات الأخيرة، حيث بات المغرب غارقًا في مشكلات متشابكة:
ارتفاع الأسعار بوتيرة خانقة، خاصة في المواد الأساسية.
بطالة تتفاقم خصوصًا في أوساط الشباب وحاملي الشهادات العليا.
خدمات اجتماعية هشة، سواء في الصحة أو التعليم أو السكن.
احتقان سياسي صامت تُغذيه ضعف الثقة في النخبة، وتراجع المشاركة السياسية الفعلية.
وتأثيرات إقليمية ودولية ضاغطة، خصوصًا في ما يخص الأمن الغذائي والمائي، وأزمات الطاقة.
فوسط هذه المعطيات، يجد المغاربة أنفسهم أمام سؤال حقيقي: هل من المنطقي أو المقبول عودة رئيس الحكومة الحالي لقيادة البلاد مجددًا؟
"الشرعية الانتخابية" في مواجهة "المشروعية الشعبية"
بالرغم من الأداء الحكومي المثير للجدل، ما يزال حزب التجمع الوطني للأحرار يحظى بحضور تنظيمي قوي وانتشار انتخابي واسع، خصوصًا في المناطق الحضرية الكبرى، وداخل قطاعات المقاولة والفلاحة والتجارة. وإذا ما حافظ على تفوقه في صناديق الاقتراع، فستكون عودة أخنوش لقيادة الحكومة نتيجة منطقية لنظام انتخابي قائم على الاختيار الشعبي.
غير أن فئة واسعة من المحللين ترى أن "الشرعية الانتخابية لا تكفي لوحدها في السياقات الاستثنائية"، خاصة إذا غاب عنها القبول المجتمعي والمشروعية السياسية. ويُخشى أن تؤدي عودة أخنوش إلى تأجيج السخط الاجتماعي، وتهديد الاستقرار السياسي في مرحلة دقيقة ومفصلية في تاريخ المغرب.
سيناريوهات مفتوحة ورسائل من القصر؟
رغم أن الدستور يمنح الملك صلاحية تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، إلا أن بعض المراقبين لا يستبعدون تدخلًا ناعمًا من المؤسسة الملكية لتوجيه المسار السياسي نحو "توازن أكثر انسجامًا مع تطلعات المرحلة"، خاصة أن المغرب يدخل ورشات ضخمة مرتبطة بالمونديال، والانتقال الرقمي، ومواجهة تحديات المناخ والهجرة والتشغيل.
ويشير آخرون إلى أن الرسائل السياسية الصادرة من القصر خلال الشهور الأخيرة تحمل إشارات غير مباشرة لضرورة "إعادة تقييم النموذج التنموي والسياسي"، ما قد يُفهم على أنه تحذير ضمني من إعادة إنتاج نفس النخب بنفس الأداء.
حكومة المونديال على المحك
يبقى السؤال الكبير: هل تعيد صناديق الاقتراع عزيز أخنوش إلى قيادة "حكومة المونديال"، رغم كل ما رافق ولايته من انتقادات وهزات اجتماعية؟ أم أن إرادة التغيير ستفرض مخرجًا سياسيًا مختلفًا؟
المؤكد أن ما بعد انتخابات 2026 لن يشبه ما قبلها، وأن مستقبل المغرب السياسي على أعتاب منعطف حاسم يضع كل النخب أمام اختبار صارم للثقة والفعالية والمشروعية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك