موارد المغرب في مهبّ الفوضى:هل تحوّلت المياه والرمال إلى "كنوز مستباحة"؟

موارد المغرب في مهبّ الفوضى:هل تحوّلت المياه والرمال إلى "كنوز مستباحة"؟
سياسة / الجمعة 09 مايو 2025 - 16:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

في لحظةٍ حساسة من النقاش الوطني حول التنمية المستدامة واستغلال الثروات الطبيعية، فجّرت النائبة البرلمانية نعيمة الفتحاوي، عن حزب العدالة والتنمية، قنبلة سياسية من العيار الثقيل تحت قبة البرلمان، متهمةً الحكومة بالتقاعس عن حماية الموارد الطبيعية الحيوية للمغاربة، وفي مقدمتها المياه والمقالع، ومشددة على أن هذه الثروات تخضع اليوم لاستغلال مفرط، وفوضى قانونية، وتسيّب إداري، وريع سياسي واقتصادي يُهدد الأمن البيئي والاجتماعي.

أزمة تدبير الماء والمقالع..اختلالات صارخة في العمق

في مداخلتها خلال اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة، المنعقد يوم الثلاثاء 6 ماي 2025، دقت الفتحاوي ناقوس الخطر بخصوص الوضع المقلق للموارد الطبيعية، معتبرة أن المساطر القانونية المحدثة لتقنين الاستغلال عبر التراخيص والمراقبة، لم تفلح في وقف النزيف. فرغم وجود إطار تنظيمي، إلا أن الضغوط المتزايدة على هذه الموارد تُهدد مستقبل التنمية المستدامة، كما قالت، وتُضعف قدرة الدولة على تأمين حق الأجيال القادمة في الانتفاع العادل.

وأشارت النائبة إلى أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وتقرير المهمة الاستطلاعية المؤقتة، يكشفان بوضوح حجم الاختلالات، بدءاً من تعقيد المساطر الإدارية، مروراً بتعدد المتدخلين وانعدام التنسيق بينهم، وصولاً إلى ضعف القدرة الردعية لشرطة المياه، التي تعاني من نقص في التكوين والموارد البشرية، وغياب الوسائل التكنولوجية الضرورية لرصد المخالفات.

المقالع:اقتصاد الريع في أبشع صوره

في حديثها عن المقالع، لم تُخفِ الفتحاوي استياءها مما وصفته بـ"اقتصاد الريع" الذي ينخر هذا القطاع، مؤكدة أن الفوضى لا تقتصر فقط على المقالع غير المرخصة، بل تمتد أيضاً إلى المقالع القانونية التي تمارس الغش وعدم التصريح بالمداخيل. ولفتت إلى أن هذا الوضع يؤدي إلى منافسة غير شريفة بين الفاعلين، وحرمان خزينة الدولة من مداخيل ضريبية تُقدّر بالملايير، مع ما يرافق ذلك من أضرار بيئية واجتماعية جسيمة.

وسجلت البرلمانية أن عدد المقالع وصل إلى 2920 مقلعاً منذ بدء تطبيق القانون 27.13، لكن عدد المقالع الخاضعة للمراقبة لم يتجاوز 1049، ما يعني أن أكثر من 1800 مقلع يشتغل خارج أي رقابة فعلية. كما نبهت إلى استمرار غياب المخططات الجهوية لتدبير المقالع، رغم مرور سنوات على دخول القانون حيز التنفيذ، وهو ما يكشف فشلاً في التنزيل الميداني وانعدام الإرادة الحقيقية للإصلاح.

اختلالات بيئية وقانونية بلا حسيب ولا رقيب

وسجلت الفتحاوي عدداً من الملاحظات الأخرى المثيرة، منها أن المخططات التوجيهية للتهيئة المائية تفتقر للطابع الإلزامي، ما يُفرغها من جدواها، وأن عقود التدبير التشاركي للفرشة المائية تُعد نادرة رغم أهميتها القصوى في الحفاظ على الثروة المائية. كما تطرقت إلى وجود مئات المقالع المهجورة، وانعدام شروط السلامة والصحة والبيئة في العديد من المواقع، ما يُنذر بكارثة بيئية محققة.

أما في ما يتعلق بالماء، فالوضع لا يقل خطورة. فالمواطنون والمستثمرون يعانون من الإجراءات المعقدة للحصول على التراخيص، ما يدفع البعض إلى سلوك الطرق غير القانونية لجلب المياه، في غياب جهاز رقابي فعال، وعدم الاستعانة بوسائل تكنولوجية متقدمة للكشف عن التجاوزات.

التوصيات: خارطة طريق للخروج من النفق

أمام هذا الوضع المتأزم، قدمت النائبة جملة من التوصيات الشاملة، أبرزها ضرورة إضفاء الطابع الإلزامي على المخططات الجهوية لتدبير المقالع، وتسريع إعدادها، مع اعتماد النصوص التطبيقية للقوانين البيئية، خصوصاً ما يتعلق بالتقييم البيئي الاستراتيجي. كما دعت إلى تحسين الحكامة، وتوحيد آليات اتخاذ القرار بين المؤسسات، وتبسيط المساطر الإدارية لتشجيع الامتثال، وتعزيز كفاءة المتدخلين القضائيين من خلال إنشاء غرف بيئية متخصصة في المحاكم.

واقترحت كذلك تحسين تحصيل الإتاوات المالية للدولة، التي يجب أن تبلغ، حسب الأرقام الرسمية، نحو 900 مليون درهم سنوياً، لكنها لا تتجاوز حالياً 50 مليون درهم، ما يُمثل هدراً مخجلاً للمال العام. وخلصت إلى ضرورة إحداث نظام معلوماتي وطني محدث باستمرار، يتيح التتبع الدقيق لاستغلال المياه والمقالع.

معركة مستقبلية على الموارد بين الدولة والريع

رسالة الفتحاوي كانت واضحة: إما أن تتحرك الدولة بجدية لوضع حد لهذه الفوضى، أو فإن الثروات الطبيعية المغربية ستتحول إلى غنيمة مفتوحة في يد الريع، تغتني منها أقلية على حساب مستقبل البيئة والمجتمع. ودعت إلى تفعيل مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة" باعتباره المدخل الوحيد لإرساء حكامة حقيقية في التدبير، واستعادة ثقة المواطنين في المؤسسات.

في المحصلة، لا يبدو أن ملف الماء والمقالع مجرد قضية تقنية تتعلق بالإدارة، بل هو معركة سياسية واقتصادية بأبعاد بيئية واجتماعية عميقة، تستدعي قرارات شجاعة وقطيعة مع منطق الاستغلال العشوائي والريع المقنن. فهل تتجاوب الحكومة مع هذا الإنذار البرلماني؟ أم أن المصالح المتشابكة ستظل أقوى من صوت المؤسسات؟

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك