من الأرشيف السياسي..أحمد العراقي يفجّرها: "الجزائر لن تغيّر موقفها من المغرب.. والندم الأكبر كان في 1958"

من الأرشيف السياسي..أحمد العراقي يفجّرها: "الجزائر لن تغيّر موقفها من المغرب.. والندم الأكبر كان في 1958"
سياسة / الجمعة 11 يوليو 2025 - 19:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:الهدهد المغربي

في حوار نادر نُشر سنة 2008 ضمن مجلة Version Homme، فجر الوزير الأول ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أحمد العراقي، قنبلة سياسية من العيار الثقيل، ما زالت أصداؤها تتردد حتى اليوم، خاصة في ظل استمرار التوتر بين المغرب والجزائر. العراقي، المعروف بعمقه الفكري وهدوئه السياسي، عبّر بصراحة غير معتادة عن تشاؤمه من إمكانية تغيير الجزائر لموقفها العدائي من المملكة، قائلاً: "أتمنى أن أكون مخطئاً، لكنني لا أرى أن الجزائر ستغيّر موقفها أبداً، لأنه متجذر في ذهنها". هذه الجملة، وإن قيلت منذ أكثر من 15 سنة، ما تزال تحتفظ براهنيتها وسط واقع مغاربي متجمد.

في شهادته، أعاد أحمد العراقي تسليط الضوء على واحد من أكبر الإخفاقات الجيوسياسية في تاريخ المغرب المعاصر، حين قال بمرارة: "أكبر خطأ قمنا به هو عدم قبولنا التفاوض مع فرنسا سنة 1958". هذه العبارة تحيل إلى لحظة دقيقة من التاريخ، حين كانت فرنسا، لا تزال القوة الاستعمارية في الجزائر، منفتحة على تفاوض محتمل مع المغرب حول مسألة الحدود الشرقية، وهي النقطة التي تحولت لاحقًا إلى قنبلة موقوتة في العلاقات الثنائية بعد استقلال الجزائر سنة 1962. العراقي لمح بوضوح إلى أن المغرب أضاع فرصة تاريخية كانت ستجنبه عقوداً من التوتر الحدودي، والعداء السياسي الذي تغذيه السلطات الجزائرية منذ الاستقلال وحتى اليوم.

ما يُكسب كلام أحمد العراقي ثقلاً مضاعفاً ليس فقط موقعه السابق كوزير أول ووزير للخارجية، بل كونه عايش شخصيًا مراحل حساسة من تطور العلاقات المغاربية، وخاصة في تعامله مع شخصيات سياسية بارزة في الجزائر، من بينهم عبد العزيز بوتفليقة عندما كان وزيراً للخارجية. يقول العراقي: "لقد تعاملت مع بوتفليقة، وللأسف، هناك كره دفين تجاه المغرب لا أعرف له سبباً واضحاً". تصريح مثل هذا لا يصدر عن دبلوماسي عابر، بل عن رجل دولة يعرف جيداً ما يقول.

ما تكشفه هذه الخرجة الإعلامية هو أن العداء الجزائري تجاه المغرب ليس مجرد موقف سياسي ظرفي، بل توجه عميق متجذر في بنية النظام السياسي الجزائري، ومؤسسات التنشئة الرسمية، من المدرسة إلى الإعلام، حيث يُقدَّم المغرب دائمًا في ثوب "العدو الخارجي" الذي يجب الحذر منه. في الوقت الذي مد فيه المغرب يده مراراً للحوار وبناء مغرب كبير مشترك، ظلت الجزائر تُراوغ، تماطل، وتستثمر في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وتُفرغ الاتحاد المغاربي من أي مضمون فعلي.

اليوم، وبعد مرور أكثر من 15 سنة على تصريحات أحمد العراقي، يبدو أنها كانت قراءة استباقية دقيقة لما سيؤول إليه الوضع. فبدل الانفراج، ازداد التوتر، وبدل التعاون، تعمقت القطيعة. والغريب أن أسباب هذا التوتر لا تزال غامضة حتى داخل النخب المغربية، كما أقر بذلك العراقي نفسه، حين قال: "لا أعلم لماذا في الحقيقة؟".

تصريحات من هذا النوع لا يجب أن تُنسى في أرشيف المجلات، بل ينبغي أن تُستحضر في كل مرة نتحدث فيها عن العلاقات المغربية الجزائرية، لأنها تُسهم في فهم أعمق لما جرى، وما يجري، وما قد يجري مستقبلاً. فهي شهادة من داخل الدولة، ومن رجل يعرف ما يدور في كواليسها. وبين يأسه الصريح من تغيير الموقف الجزائري، وندمه على فرصة ضاعت في لحظة فارقة، تختصر كلمات أحمد العراقي حكاية طويلة من الفرص المغتالة والحدود المغلقة واليد الممدودة التي لم تجد من يصافحها.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك