أنتلجنسيا المغرب:عبد الله البارودي
بعد مرور أكثر من ستة عشر عاماً على أخطر أزمة هزّت النظام المالي العالمي، تعود إلى الواجهة قصة تلك المكالمة الليلية التي لا تزال تُعدّ من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ وول ستريت. مكالمة واحدة فقط، قبيل فتح الأسواق الآسيوية في 2008، كانت كفيلة بأن تُحدّد مصير النظام المالي بأكمله، بعدما تلقّى جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان تشيس"، طلباً عاجلاً بقيمة 30 مليار دولار لإنقاذ بنك "بير ستيرنز" المنهار.
كان "بير ستيرنز"، أحد أعمدة المصارف الاستثمارية الأمريكية، يعيش شهوراً على حافة الانهيار بسبب أزمة الرهونات العقارية عالية المخاطر. ورغم الاعتقاد بأن أمامه وقتاً كافياً للإنقاذ، انهار كل شيء في ليلة واحدة، حين اتصل آلان شوارتز، رئيس البنك، بديمون قائلاً: "نحتاج 30 مليار دولار الليلة… وإلا لن نصل إلى جلسة الغد". إدراك ديمون لما يعنيه سقوط البنك مع افتتاح الأسواق الآسيوية جعله يفهم أن الأمر لم يعد يتعلق بمؤسسة واحدة، بل بإمكانية انهيار النظام المالي بالكامل.
تحوّل مقر "جي بي مورغان" إلى غرفة عمليات مالية تعمل بلا توقف، حيث أمضت فرق التدقيق والاستثمار 48 ساعة متواصلة لفحص أصول والتزامات البنك المنهار، في سباق محموم اختُزلت فيه ستة أشهر من العمل في يومين فقط. كانت الحسابات بسيطة وخطيرة: أي تأخير في اتخاذ القرار قد يشعل انهياراً عالمياً يخرج عن السيطرة. وفي النهاية، قرر البنك التدخل وإنقاذ "بير ستيرنز"، في واحدة من أكثر عمليات الإنقاذ جرأة في تاريخ القطاع المالي.
العودة إلى هذه القصة اليوم تأتي في ظل توتر عالمي جديد: تشدد في السيولة، ارتفاع غير مسبوق في أسعار الفائدة، واتساع مخاطر الائتمان عبر أسواق مختلفة. ورغم تغيّر القوانين بعد 2008، إلا أن الرسالة التي تقدمها تجربة "بير ستيرنز" تبقى صادمة وواضحة: الأسواق قادرة على الانقلاب في ساعات، والسيولة يمكن أن تتبخر بلا مقدمات، والمؤشرات الحقيقية للأزمات تكمن في عوائد السندات وفروق الائتمان ومستويات السيولة قبل أن تصل الأخبار إلى العناوين.
كما تؤكد رواية ديمون أهمية القيادة الحاسمة تحت الضغط، إذ إن قراراً واحداً في لحظة حرجة قد يوقف سلسلة انهيارات لا يمكن توقع حجمها. ويبقى اتصال منتصف الليل ذاك مثالاً صارخاً على هشاشة النظام المالي العالمي، ودليلاً على أن الأزمات الكبرى تُحسم في الغالب في غرف مغلقة ولحظات خاطفة، قبل أن يشعر العالم بارتداداتها.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك