أنتلجنسيا المغرب:عبد الفتاح الحيداوي
في زمن كانت تلقب فيه سلا بمدينة العلم والعلماء مدينة الرباط الروحي والفكري مدينة المخطوطات والزوايا والمعرفة تقف المدينة اليوم بكل هذا التاريخ أمام مشهد سياسي يبدو وكأنه نكتة طويلة فقدت القدرة على إضحاك أحد.
مدينة اختطفت ببطء وكأنها غنيمة سياسية تتقاسمها حفنة من محترفي التنقل بين الأحزاب كما ينتقل المتسوق بين رفوف الماركت ينتقلون فقط حيث توجد العروض المغرية.
هؤلاء السياسيون الذين ظهرت عليهم السياسة كما تظهر حب مفاجئة على الوجهدون مقدمات بلا ماض نضالي بلا تكوين فكري بلا رؤية بلا مشروع مجرد كائنات انتخابية تعيش موسمها كل خمس سنوات ثم تدخل في سبات عميق بتمويل عمومي وامتيازات سخية
الغريب أن كل من صعد لتدبير الشأن العام في هذه المدينة كان بورجوازيا أنيقا يلتقط الصور أمام المشاريع التي لا ينجزها ويعد بما لا يعرف ويتحدث عن التنمية كما يتحدث شخص عن كوكب زحل كثير من الوصف صفر تجربة.
هؤلاء لا يميزون بين الممارسة السياسية والعلوم السياسية فالأولى عندهم تجارة والثانية رفاهية غير ضرورية.
ولأنهم تجار فهم لا يرون في سلا مدينة ذات مليون ساكن بل سوقا بمليون زبون وميزانية منتفخة وخرائط انتخابية تصلح للاستثمار العائلي طويل الأمد
ولاءاتهم تتغير أسرع من الطقس
اليوم مع حزب ما غدا مع حزب اخر بعد غد مع ثالث
تماما كما يبدل أحدهم لون ربطة العنق حسب الموضة.
المبادئ مطّاطة والبرامج نسخ ولصق والقناعات مثل اللبان تستمر فقط ما دامت لها نكهة.
شباب سلا؟ معذرة هذه المقاعد محجوزة
في مدينة تعج بشباب مثقف واعٍ قادر على إنتاج رؤية سياسية متينة يأتي نفس السياسي بنفس البدلة بنفس الخطاب بنفس الوعود ليجلس على نفس الكرسي الذي يحتفظ به كما يحتفظ طفل ببسكويته المفضل.
وإذا حاول الشباب الاقتراب فهم مرحب بهم لكن في الصورة الجماعية لا أكثر.
أين البرامج؟
برامج سياسية؟
يا لطرافة السؤال
يكفي أن يكتب السياسي سننهض بالمدينة ويعتقد انه تكلم سياسيا.
أما كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ وعلى أساس أي تصور؟ فهذه أسئلة لا يطرحها إلا الناس الذين يرغبون في الفهم .
فضائحهم؟ كثيرة وقديمة ومتجددة
فضائح يرفض الهواء نفسه مجاورتها.
قصص تتشابه لدرجة أنك لو قرأت فضيحة قديمة ستظن أنها خبر الأسبوع.
ومع ذلك لا يغادرون.
لا يستقيلون.
لا يخجلون.
كأن السياسة إرثٌ عائلي لا بد من توريثه.
متى سيرحلون؟
سيرحلون حين يكتشفون أن الكرسي لم يعد يلد الامتيازات.
حين يصبح العمل السياسي فعلا عملا لا صفقة.
حين تفتح أبواب المؤسسات أمام الكفاءة بدل القرابة.
حين يتوقف المواطن عن بيع صوته بثمن بخس.
حين يصبح وعي الساكنة أقوى من قدرة أي سياسي على شراء لحظة اقتناع.
إلى أن يحدث ذلك وربما يحدث ستظل المدينة تعيش في حلقة مفرغة من نفس الوجوه ونفس الوعود ونفس النتائج.
في مدينة سلا العظمى الكل ينتظر الاستقالة التاريخية التي قد لا تأتي ابدا
لكن الأمل باق لأن المدن لا تموت
الذي يموت هو السياسي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك