أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
تعيش العديد من المدن المغربية خلال السنوات الأخيرة على وقع أزمة خانقة في تدبير النفايات، بعدما تحولت الشوارع والأحياء إلى فضاءات مفتوحة للأزبال المتراكمة، في مشهد يختزل اختلالات عميقة في الحكامة المحلية وعجز واضح في السياسات العمومية الموجهة للبيئة. هذه الوضعية التي تتكرر بشكل دوري، خاصة في فترات ذروة الاستهلاك والمواسم الدينية، تكشف ضعفاً بنيوياً في منظومة تدبير النفايات، وتطرح أسئلة ملحة حول غياب رؤية واضحة تحمي المدن والمواطنين من مخاطر بيئية وصحية متصاعدة.
ورغم تعاقب المجالس المنتخبة والشركات المكلفة بالتدبير المفوض، ما تزال الأزمة تتكرر بنفس الملامح: تأخر في جمع الأزبال، نقص في الشاحنات واليد العاملة، تهالك المعدات، وعدم احترام دفتر التحملات. وفي المقابل، تستمر الشركات في تحصيل مبالغ ضخمة من ميزانيات الجماعات دون تحسين مستوى الخدمات، بينما يغيب التقييم الصارم والمحاسبة الفعلية عن هذا القطاع الحساس. هذا الإخفاق يتجلى بشكل أوضح في المدن الكبرى، حيث ترتفع كثافة السكان ويتزايد حجم النفايات بشكل يفوق قدرة الشركات على التدبير الفعّال، ما يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة، وازدياد الحشرات والكلاب الضالة، وتلوث الهواء.
أما مطارح النفايات، فتشكل بدورها جزءاً من المشكلة لا من الحل، إذ تعمل أغلبها بطريقة بدائية، دون فرز أو تدوير حديث، ما يجعلها قنابل بيئية ملوثة للتربة والفرشة المائية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية. وفي غياب استراتيجية وطنية قوية لتثمين النفايات، يستمر المغرب في إهدار ملايين الأطنان من المواد القابلة للاسترجاع، ما يحرم الاقتصاد الوطني من فرص مهمة في مجالات الطاقة والاقتصاد الدائري.
المواطن بدوره يتحمل نصيباً من المسؤولية، إذ يؤدي سوء رمي الأزبال وغياب ثقافة الفرز من المصدر إلى تأزيم الوضع، لكن مسؤوليته تبقى محدودة مقارنة مع الفاعلين المؤسساتيين الذين يمتلكون القرار والقدرة على التغيير. ومع ذلك، تستمر بعض الحملات التحسيسية المحدودة التي تظل غير كافية أمام حجم التحدي.
أزمة الأزبال في المغرب لم تعد مجرد مشكل نظافة، بل تحولت إلى قضية تنموية تمس صورة المدن وصحة المواطنين وحقهم في بيئة سليمة. وبين تقاعس الشركات، وضعف التتبع من طرف الجماعات، وغياب نموذج تدبير ناجع يربط المال العام بالنتائج، تظل المدن المغربية أمام اختبار حقيقي: إما الانتقال نحو منظومة حديثة وشفافة في تدبير النفايات، أو الاستمرار في العيش داخل دوامة الأزبال التي تحاصر الأحياء وتخنق المجال الحضري.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك