الإرادة التنموية وتحدي تشغيل الشباب في سيدي يحيى الغرب: قراءة في أعطاب الركود ومقترحات للعدالة الاجتماعية

الإرادة التنموية وتحدي تشغيل الشباب في سيدي يحيى الغرب: قراءة في أعطاب الركود ومقترحات للعدالة الاجتماعية
مقالات رأي / الاثنين 03 نوفمبر 2025 - 14:05 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : د.محمد أحدو

​إن إشكالية تشغيل الشباب بمدينة سيدي يحيى الغرب تحديدًا، ولا سيما من حاملي الشواهد الجامعية، تُعدّ قضية محورية وجوهرية تُلامس عمق العملية التنموية المستدامة، حيث تمثل نقطة ارتكاز لقياس مدى نجاعة وشمولية الاستراتيجيات المعتمدة على الصعيد المحلي وأثر ذلك على النسيج الاجتماعي والاقتصادي بالمدينة. وقد أبان الكتاب الجماعي "إشكالية التنمية المحلية بمدينة سيدي يحيى الغرب تصورات ومقترحات" عن هذه المركزية، مقدمًا قراءة أولية لأعطاب التنمية ومستعرضًا حزمة من المقترحات الكفيلة بتجاوز الركود الحالي الذي تعيشه المدينة من خلال التأكيد على مبدأين أساسيين: التشغيل وإعادة التأهيل والتكوين تماشيًا مع متطلبات الشغل الصناعي. وتكمن الحاجة الملحة في هذه المسألة إلى وضع تصور قابل للتنفيذ للحد من البطالة التي تزيد من قتامة الوضع المحلي بالمدينة في ظل غياب أي حركية اقتصادية أو اجتماعية حقيقية، مما يترتب عنه انسداد الأفق وعدم الاستفادة من طاقات مهدورة لشابات وشباب الكثير منهم يتوفر على كفاءات عملية وشواهد عليا.

​إن معالجة هذه المسألة في عمقها تستدعي بالضرورة توفر إرادة حقيقية لدى الفاعل العمومي، خاصة السياسي والترابي الذين يمتلكون سلطة القرار والتدخل عند الضرورة واللزوم، لإحداث تغيير في مقاربة الإدماج المهني. إدماج ينبغي أن يتأسس على مبدأ العدل والكفاءة والاستحقاق والأسبقية في توزيع ما يتوفر من مناصب بالإدارات المحلية، وذلك كشرط أساسي للقطع مع التوزيع العشوائي أو الموجه لمناصب الشغل المتوفرة، في تكرار لوضع قاتم تميز بـبيع وشراء المناصب التي شابت التدبير الجماعي في فترات سابقة. فتوفير مناصب الشغل لأبناء وبنات المدينة هو حاجة ملحة تتطلب تجاوز المقاربة القديمة القائمة على استغلال المواقع التمثيلية وغيرها وتشغيل المعارف والمحسوبية، وبدلاً من ذلك ضرورة الارتكاز على الشفافية وتكافؤ الفرص. ولتحقيق هذا التحول، يصبح لزامًا وضع أسس علمية لمواجهة إشكالية التشغيل، ترتكز على الانخراط الفعلي والممنهج في: الإعداد والتكوين المُلائم مع المؤسسات المعنية بالإعداد والتكوين المهني، و التنسيق من طرف ممثلي الساكنة والإدارات الترابية المشرفة على المدينة مع وحدات الإنتاج المحيطة بحدود المدينة التي أصبحت ساحة شغل دولية، بوضع آليات تنسيق وثيق ومباشر لضمان ملاءمة مخرجات التكوين مع حاجيات سوق العمل التي تطلبها.

​فقد جاءت مقترحات الكتاب الجماعي(1) التي همت موضوع التشغيل لتعزز هذا التوجه، حيث شددت على ضرورة استثمار الفرص المتاحة محليًا. وبالإضافة إلى التوزيع المنصف للوظائف الإدارية وفق معايير الاستحقاق، يبرز دور الفاعل السياسي والمدني في المطالبة والاستفادة من التحول الاستراتيجي للموقع الجغرافي للمدينة، الذي أصبح مجاورًا لوحدات إنتاج صناعية دولية كبرى. هذا القرب يتيح إمكانية حقيقية لتمكين الأطر الجامعية المحلية من الحق في شغل يتناسب مع مؤهلاتهم، تطبيقًا لمنطق أهل الدار أولى ومبدأ العدالة والإنصاف، ومساهمةً في رفع مستوى عيش الساكنة في محيط سوق العمل الناشئ.

ويجب في هذا الصدد عدم الاستسلام إلى فكرة الاستعانة بكفاءات وأطر خارجية التي تلجأ إليها المؤسسات المشغلة الصناعية بالنظر لحاجتها الطبيعية لمؤهلات ومهارات تتناسب ومفهوم الشغل الحديث، بل على المسؤولين في تدبير الشأن العام المحلي والترابي العمل على تكثيف الاتصالات مع هاته الوحدات الصناعية، وتحضير برامج وتسخير الإمكانات المتاحة لتوفير التكوين والتدريب الضروريين للشباب من الأطر الجامعية وغيرهم، التي يمكن أن تشرف عليها المؤسسات التمثيلية للساكنة والسلطات المحلية، لإعدادهم بفاعلية لولوج عالم الشغل ومحيط سوق العمل الناشئ، وهو ما يتطلب إرساء "نظام تتبع وملاءمة" بين مخرجات التعليم وحاجيات الاستثمارات الصناعية الجديدة، كما تؤكد عليه مرجعيات التنمية البشرية الحديثة. وبناءً عليه، يظل تشغيل الشباب حاملي الشواهد في سيدي يحيى الغرب ليس مجرد مطلب اجتماعي ظرفي يثار عقب كل تشغيل يثير تساؤلات وشكوكًا حول مصداقيته، بل هو مدخل أساسي لتحقيق التنمية المحلية المستدامة، بما يتطلبه من مزيج من الإرادة السياسية الشجاعة والتدبير العادل للموارد المحلية والاستثمار الاستراتيجي في الميزة التنافسية للموقع الجغرافي للمدينة التي من المفروض على هذا المستوى أن تستثمر موقعها الجغرافي والفضاء الاستثماري الوطني والعالمي المحيط بها لتوفير الشغل لأبنائها، بتجاوز المعالجات التقليدية لإشكالية التشغيل بالمدينة عبر توزيع الأكشاك والرهان على ما ندر من مناصب إدارية تلفها الكثير من الشبهات في التوزيع أو الدعم عبر ميزانية الإنعاش الوطني، وهي كلها مقاربات لها أثر محدود في الرفع من مستوى عيش الشباب الباحث عن الشغل ولا تضمن الاستقرار الضروري لضمان إقلاع اقتصادي واجتماعي بالمدينة.

(1) الكتاب الجماعي اشكالية التنمية المحلية بمدينة سيدي يحيى الغرب : تصورات ومقترحات ". مجموعة من المؤلفين. يوليو 2025

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك