صراع الأصالة والمعرفة في زمن الرداءة الرقمية: رسالة الكتاب والمجلات الثقافية

صراع الأصالة والمعرفة في زمن الرداءة الرقمية: رسالة الكتاب والمجلات الثقافية
مقالات رأي / الاثنين 27 أكتوبر 2025 - 09:39 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : د.محمد أحدو

​إن الإيمان بأن دعم الفعل الثقافي ليس مجرد رفاهية، بل هو استثمار إلزامي في جودة العقل الجمعي، يتجسد في تدعيم الركائز الأصيلة للمعرفة: الكتاب والمجلة الثقافية الرصينة. فطموحنا في بناء مجتمع "قارئ" يُمثل اليوم حاجة ملحة لمكافحة تفشي الرداءة الفكرية والتسطيح المعرفي الذي يهدد الذوق العام ومستوى الإدراك لدى الأفراد. وبينما يفرض العصر الرقمي نفسه بهيمنة الكتاب الإلكتروني وتكاثر المنصات السريعة، فإن التحدي الأكبر يكمن في مساءلة مدى التزام الدولة والمؤسسات بدعم هذا الحراك الثقافي الجاد.

​لقد ظل الكتاب، والمطبوعات الثقافية المتخصصة، أداة لا تُعوّض للارتقاء الحضاري والفكري. إنها توفر مساحة للتحليل العميق والبحث المحكم والمنهجي، وتقدم للقارئ مادة معرفية خضعت للغربلة والتمحيص من قبل ذوي الاختصاص. هذه القراءة الهادئة والمتعمقة ليست مجرد استهلاك عابر للمعلومات، بل هي عملية بناء جوهري تُنشئ القدرة على النقد والتحليل.

​لكننا نشهد اليوم انزياحًا خطيرًا نحو استهلاك المحتوى السريع والمُجزأ، حيث يلتهم زمن المطالعة في تصفح عابر للوسائط الرقمية. هذا الانزياح ولّد ظاهرة "الكاتب غير القارئ" التي تُمثل ذروة الأزمة. فإذا كان الإنتاج المعرفي قديمًا يقوم على مبدأ: "نكتب بعد أن نقرأ"، أصبح الحاصل اليوم أن الكثيرين  " يكتبون دون ان يقرأو " ،  فالسائد الآن هو الإفراط في الكتابة والإنتاج الرقمي، انطلاقًا من مدخل السطحية والآنية، بهدف الانتشار السريع بدلاً من تحقيق الإضافة النوعية.

​إن الصعوبات التي يواجهها  الكتاب و المجلات الثقافية الورقية، من تكاليف طباعة باهظة وتوزيع شاق وتناقص في أعداد المشتركين، تستدعي تدخلاً حاسماً من الدولة. يجب أن يتجاوز دورها مجرد التقدير الشكلي إلى دعم مالي ولوجستي فعال، يضمن استمرارية هذه المنابر الفكرية ووصولها بيسر إلى الجامعات والمكتبات والمواطنين. كما يجب وضع سياسات ثقافية واضحة لا تشجع على القراءة فحسب، بل تُعلي من قيمة القارئ الجاد والمحتوى الرصين. وحتى في مسألة الرقمنة، لا ينبغي أن تكون التقنية معول هدم، بل يجب أن تُستخدم بمسؤولية لرقمنة التراث الثقافي الغني وتوفيره للباحثين بجودة تليق بقيمته.

​عموما  إن مقياس رقي الأمم يظل مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بجودة المعرفة التي تستهلكها عبر الكتاب والمجلات الثقافبة . فلا يمكننا القضاء على موجة التفاهة والتسليع إلا بتقديم البديل الثقيل والملتزم الذي يستدعي الانتباه ويُحفز العقل.

هذا الهدف النبيل يستوجب من المؤسسات الثقافية والتعليمية والدولة بأكملها أن تعتبر دعم الكتاب والمجلات الثقافية بمثابة خط الدفاع الأول والأخير في تعميق  الوعي الفردي والجماعي  .

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك